لا بهذا القصد ، لم يصحّ ، ضرورة أنّ المتبادر من الأمر بالغسل في الشريعة في جميع موارده ليس إلّا الطبيعة المعهودة المعروفة لدى المتشرّعة على سبيل الإجمال ، لا مطلق غسل البدن الذي يتحقّق بحصوله مطلقا كيف اتّفق ، نظير الأمر بالوضوء والتيمّم من غير فرق بين أن يتعلّق الأمر بأن يتوضّأ بنفسه أو يوضّي الغير حيّا كان أو ميّتا ، فإنّه لا يتبادر منه إلّا إرادة الطبيعة المعهودة التي لا إحاطة لنا بحقيقتها تفصيلا ، ولا يمكننا قصدها ولا الاطّلاع على تحقّقها في الخارج إلّا بإيجادها بقصد حصول عنوانها على سبيل الإجمال ، فلا يفهم من الأمر بغسل الميّت وتوضئته ـ مثلا ـ إلّا عدم اعتبار مباشرة الغاسل والمتوضّي في تحقّق تلك الطبيعة في خصوص المورد ، لا حصولها مطلقا من دون قصد كيف اتّفق.
ويدلّ عليه أيضا ما ورد من الأخبار من أنّ غسل الميّت بعينه غسل الجنابة أو مثله (١) ، وقد ثبت اعتبار النيّة في غسل الجنابة بالإجماع ، فتعتبر في هذا الغسل أيضا ، قضيّة للعينيّة أو المماثلة.
فما عن السيّد في مصريّاته ، والعلّامة في منتهاه (٢) ، وعن بعض (٣) متأخّري المتأخّرين الميل إليه ـ من عدم اعتبارها ، معلّلا ـ كما قيل (٤) ـ بأنّه إزالة خبث ـ ضعيف ، إذ لو سلّم أنّ الوجه فيه ليس إلّا إزالة الخبث دون الحدث ـ كما هو ظاهر الأخبار المصرّحة بأنّه غسل الجنابة ـ يتوجّه عليه : أنّ هذا الخبث ليس كسائر
__________________
(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ١٦٠ ، الهامش (٢ و ٣).
(٢) كما في كشف اللثام ٢ : ٢٣٧ ، وكتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٢٨٨ ، وانظر منتهى المطلب ١ : ٤٣٥.
(٣) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ١١٩ ، وانظر : مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٨٢.
(٤) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٢٨٨.