يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِى البِلادِ ) (١) وقال سبحانه : ( ويجادِلُ الَّذِيْنَ كَفَرُوا بَالباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ ). (٢)
نحن نرى تلكما النزعتين متجسّدتين في الأشتر والملتفّين حوله من الصلحاء من جهة ، وحرقوص وزملائه من جهه اُخرى ، وإن اشتركوا في حقبة من الزمن في صبغة الاعتراض.
فالنزعة الاُولى : كانت نابعة عن روح صادقة لاعن هوى نفسي ، ولأجل ذلك بقوا على اعتراضهم ومخالفتهم لعامل الخليفة إلى أن قُتِلَ عثمان ، لأنّهم أدركوا أنّ عمل الخليفة وعمّاله يفارق مبادىء الإسلام ، وتحمّلوا التسيير والتبعيد عن الوطن ، ولكن لمّا واجهوا عليّاً ووجدوا فيه ضالّتهم المنشودة من أنّه القائد الإلهي الذي يعمل لأجل الله ، سلّموا إليه مقاليد امورهم.
والنزعة الثانية : كانت نابعة عن روح مكابرة تريد فرض ما تحبّ وترى ، سواء أكان حقّاً أم باطلا ، ونذكر هنا نموذجاً للقسمين :
قال ابن مزاحم : قيل لعلي لمّا كتبت الصحيفة : إنّ الأشتر لم يرض بما في هذه الصحيفة ولا يرى إلاّ قتال القوم ، فقال علي : بلى إنّ الأشتر ليرضى اِذا رَضيْتُ ، وقد رضيتُ ورضيتُم ، ولا يصلح الرجوع بعد الرضا ، ولا التبديل بعد الإقرار ، إلاّ ان يُعْصى الله ويتعدّى ما في كتابه (٣).
وإي تسليم أعلى وأنبل من تسليم الأشتر لأمر القيادة ، فقد كان النصر حليفاً له ولم يبق بينه وبين تحقّقه الاّ عدوة الفرس ، أو قاب قوسين او أدنى ، فلمّا وقف على أنّ مواصلة الحرب ولو فترة قليلة سيؤدّي إلى القضاء
__________________
١ ـ غافر : ٤.
٢ ـ الكهف : ٥٦.
٣ ـ نصر بن مزاحم : وقعة صفّين ٥٩٨.