فتلاقوا في هذه المسائل مع المعتزلة بل تأثّروا بهم كما هو الحال في المسألة التالية ، فقد تأثرت الاباضية فيها عن المعتزلة وخالفوا الشيعة وغيرهم من الطوائف الإسلامية.
إنّ مرتكبي الكبيرة عند الاباضية إذا ماتوا بلا توبة ، محكومون بالخلود في النار ، فلأجل هذا الموقف المسبَّق في هذه المسألة فسّروا الشفاعة بدخول المؤمنين الجنّة بسرعة ، وفي الحقيقة خَصُّوها بغير المذنبين من الاُمّة ، وهذا التفسير يوافق ما عليه المعتزلة من أنّ الغاية من الشفاعة هو رفع الدرجة لامغفرة الذنوب.
إنّ الشفاعة أمر مسلّم عند جميع المسلمين غير أنّهم اختلفوا في تفسيرها ، وهؤلاء كالمعتزلة ذهبوا إلى أنّ شفاعة النبيّ بل شفاعة جميع الشفعاء لاتنال أهل الكبائر متمسّكاً بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ليست الشفاعة لأهل الكبائر من اُمّتي ».
يقول السالبي في كتابه شرح أنوار العقول : « فإن قيل : المؤمنون مستوجبون للجنّة بأعمالهم فلا معنى للشفاعة ، فالجواب أنّ الشفاعة لهم هي طلب تنقلهم من المحشر ، ودخولهم الجنّة بسرعة » (١).
يلاحظ عليه : أنّ الشفاعة مسألة قرآنية ، وفي الوقت نفسه مسألة روائية وحديثية ، فلا يجوز لمسلم الإدلاء برأي إلاّ بعد الرجوع إلى المصدرين الرئيسيّين مجرّداً عن كل رأي ، وأمّا تفسيرها على ضوء الرأي المسبق فهو من قبيل التفسير بالرأي الذي حذَّر عنه النبي في الحديث المتواتر عنه وقال : « من
__________________
١ ـ صالح بن أحمد الصوافي : الإمام جابر بن زيد العماني : ٢٥٦ ، نقلا عن مشارق أنوار العقول : ٢٩٤.