وغيرهم من الصلحاء ، وذلك يكشف عن وجود نزعة الاعتراض في قرّاء الكوفة ورؤسائهم ، نعم كون هؤلاء محّقين في اعتراضهم على عامل الخليفة الثالث وحتى الخليفة نفسه لايكون دليلا على أنّهم محقّون كذلك في مسألة التحكيم وما خلّف من الآثار السيّئة ، ولا دليل على تلك الملازمة ، فرّب انسان يكون محقّاً في دعوى ومبطلا في دعوى اُخرى ، والامعان في حقيقة الاعتراضين ـ الاعتراض على عامل الخليفة الثالث والاعتراض على أميرالمؤمنين عليـ يكفي في تصديق ماذكرنا.
نعم إنّ الإسلام لا يخالف سياسة الانتقاد وحرية التعبير عن الرأي ، ولايريد للاُمّة أن تكون كقطيع من الماشية بل انّه يدعو إلى النقد إذا كان لأجل طلب الحق ، مثلا إذا بدا للانسان أنّ قول القائد لا يماثل عمله فله السؤال والنقاش ولكن باسلوب بنّاء ، لغاية الوصول إلى الحق ، وهذا ما يدعو إليه الإسلام خصوصاً فيما إذا كان القائد انساناً غير معصوم ، بل نجد ذلك في عصر المعصوم أيضاً ، روى أصحاب السيرة لمّا توفّي عبدالله ولد النبي بكى عليه وجرت دموعه على خدّيه ، فاستظهر بعض الصحابة أنّ عمل النبي هذا ينافي ما أوصى به من عدم البكاء على المّيت ، فاجابه النبي وأرشده إلى الحق وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا ، ولكنّي نهيت عن صوتين احمقين وآخرين : صوت عند مصيبة ، وخمش وجوه ، وشق جيوب ، ورنة شيطان ، وصوت عند نعمة لهو ، وهذه رحمة ومن لايَرْحَم لايُرْحَم (١).
نعم إذا كانت الغاية مجرّد إبداء الرأي ، وحبّ الاعتراض ، فهذا ما يعدّه الكتاب والسنّة من المجادلة بالباطل ( ما يُجادِلُ فِى آياتِ اللهِ إلاّ الَّذِيْنَ كَفَروا فَلا
__________________
١ ـ برهان الدين الحلبي : السيرة الحلبية ٣ / ٣٩٥.