إنّ الرجل الواعي الطالب للحقيقة لا يخاف من لومة لائم ، ولا من مخالفة فئة ، فكان على الاباضية أن يرفعوا علم المخالفة في هذه المسألة ، وفي مسألة الرؤية ، وخلق القرآن ، ويندّدوا بالمخالفين سواء أكانوا من السنّة أو غيرهم ، فالحق أحق أن يتّبع ، كيف يصحّ لموحّد أن يقيس الواجب بالممكن فيصوّر له ذاتاً وصفة قائمة بها ، ويحكم بالتعدّد ويخرج في النتيجة بالقدماء الثمانية ثمّ يدّعي التوحيد ويخطّىء النصارى القائلين بالتثليث.
ثمّ إنّ من يرى أنّ مرجع عينية الصفات إلى نفي حقائقها عن ذاته ، (كما عليه الزنادقة) رأي باطل صدر ممّن لاقدم له في المباحث العقلية ، وليس له مصدر إلاّ قياس الممكن بالواجب ، فإذا رأى أنّ القول بالعينيّة ينتج نفيها في الممكنات ، عاد يخطّىء القائل بالعينيّة في الواجب بأن معناها نفي حقائقها عن ذاته سبحانه.
إنّ امتناع رؤية الله سبحانه من الاُصول التي استقاها الوعاة من المسلمين من القرآن الكريم وخطب سيّد الموحّدين أميرالمؤمنين عليهالسلام إذ قال عزّ من قائل : ( لا تُدْرِكَهُ الأَبْصارُ وهوَ يُدْرِكُ الأبْصارَ وهوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ) (١).
وهذا الأصل أيضاً من الاُصول اللامعة في عقائد الاباضية ، والأسف انّ الكُتّاب المتأخّرين منهم يُقلِّلون من أهمية هذا الأصل ، توخّياً لتقريب عقائدهم من أهل السنّة. حتى أنّ علي يحيى معمَّر يُعَنْوِنُ المسألةَ بقوله : هل رؤية الباري جلّ وعلا في الآخرة ممكنة؟ والعنوان يحكي عن وجود ترّدد وشك في نفس الكاتب ، ولا أقل يطرح المسألة على شكل غير قطعي وعلى خوف ووجل ،
____________
١ ـ الأنعام : ١٠٣.