وبين رسول الله [صلىاللهعليهوسلم] يخلصك إذا جاثاك (١) للخصومة في أمّته ، أما والله لا تنجو هناك إلّا بحجة تضمن لك النجاة ، فأفق (٢) على نفسك أو دع ، فقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كلّكم راع وكلّكم مسئول عن رعيّته» [١٩٠٥].
فاستوى عبد الملك جالسا ـ وكان متكئا ـ فقال : كذبت ـ لعمر الله ـ ومقت (٣) ولؤمت في ما جئت به. قد ظنّ بك الحجّاج ما لم يجده فيك ، وربما ظنّ الخير بغير أهله ، قم فأنت الكاذب المائن الحاسد ، قال : فقمت ـ والله ـ ما أبصر طريقا ، فلما خلّفت الستر لحقني لا حق من قبله ، فقال للحاجب : احبس هذا ، [و](٤) أدخل أبا محمد الحجّاج ؛ فلبثت مليا لا أشك أنهما في أمري ، ثم خرج الآذن فقال : قم يا ابن طلحة فادخل ، فلما كشف لي السّتر لقيني الحجّاج وأنا داخل وهو خارج فاعتقني وقبّل ما بين عينيّ ثم قال : إذا جزى الله المتآخيين [خيرا](٥) بفضل تواصلهما ، فجزاك الله أفضل ما جزى به أخا ، فو الله لئن سلمت لك لأرفعنّ ناظرك ، ولأعلينّ كعبك ، ولأتبعنّ الرجال غبار قدميك ؛ قال : فقلت : يهزأ بي.
فلما وصلت إلى عبد الملك أدناني حتى أجلسني في مجلسي الأول ، ثم قال : يا ابن طلحة ، لعل أحدا من الناس شاركك في نصيحتك؟ قال : قلت : لا والله ، ولا أعلم أحدا كان أظهر عندي معروفا ، ولا أوضح (٦) يدا من الحجّاج ، ولو كنت محابيا أحدا بديني لكان هو ، ولكني آثرت الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم والمسلمين ؛ فقال : قد علمت أنك آثرت الله عزوجل ورسوله ، ولو أردت الدنيا لكان لك في الحجّاج أمل ، وقد أزلت الحجّاج عن الحرمين لما كرهت من ولايته عليهما ، وأعلمته أنك استنزلتني له عنهما استصغارا (٧) لهما ، وولّيته العراقين لما هناك من الأمور التي لا يرخصها (٨) إلّا مثله ،
__________________
(١) المجاثاة للخصومة أن يجلس كلّ على ركبتيه مستوفزا.
(٢) العقد : «فاربع على نفسك».
(٣) أي حمقت.
(٤) الزيادة عن مختصر ابن منظور.
(٥) الزيادة عن العقد الفريد.
(٦) في العقد الفريد : أنصع.
(٧) العقد : استقلالا لهما.
(٨) العقد : لا يدحضها.