عبد الملك زائرا له ، فخرج معه فعادله (١) لا يترك في برّه وإجلاله وتعظيمه شيئا ، فلما حضر باب عبد الملك حضر به معه ، فدخل على عبد الملك فلم يبدأ بشيء بعد السّلام ، إلّا أن قال : قدمت عليك ـ يا أمير المؤمنين ـ برجل الحجاز لم أدع له ـ والله ـ فيها نظيرا في كمال المروءة والأدب ، والديانة والستر ، وحسن المذهب ، والطاعة والنصيحة ، مع القرابة ووجوب (٢) الحقّ إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله ، وقد أحضرته بابك ليسهل عليك إذنك وتلقاه ببشرك وتفعل به ما تفعل بمثله ممن كانت مذاهبه مثل مذاهبه.
فقال عبد الملك : ذكّرتنا حقا واجبا ، ورحما قريبة ؛ يا غلام ائذن لإبراهيم بن طلحة.
فلما دخل عليه قرّبه حتى أجلسه على فرشه ، ثم قال له : يا ابن طلحة ، إن أبا محمد أذكرنا ما لم نزل نعرفك به من الفضل والأدب ، وحسن المذهب ، مع قرابة الرحم ووجوب الحق ، فلا تدعنّ حاجة في خاصّ أمرك ولا عامّ إلّا ذكرتها ؛ قال : يا أمير المؤمنين ، إن أولى الأمور أن يفتتح بها الحوائج ، ويرجى بها الزّلف ، ما كان لله عزوجل رضى ولحقّ نبيه صلىاللهعليهوسلم أداء ، ولك فيه ولجماعة المسلمين نصيحة ، وإن عندي نصيحة لا أجد بدّا من ذكرها ، ولا يكون البوح بها إلّا وأنا خال ، فأخلني ترد عليك نصيحتي ؛ قال : دون أبي محمد؟ قال : نعم ، قال : قم يا حجّاج ، فلما جاوز (٣) الستر قال : قل يا ابن طلحة نصيحتك ، قال : الله ، يا أمير المؤمنين؟ قال : الله قال : إنك عمدت إلى الحجّاج مع تغطرسه وتعترسه وتعجرفه لبعده من الحقّ وركونه إلى الباطل ، فولّيته الحرمين وفيهما من فيهما ، وبهما من بهما من المهاجرين والأنصار ، والموالي المنتسبة [إلى](٤) الأخيار أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبناء الصحابة ، يسومهم الخسف ، ويقودهم بالعسف (٥) ويحكم فيهم بغير السّنّة ، ويطؤهم بطغام من أهل الشام ، ورعاع لا روية لهم في إقامة حقّ ولا إزاحة باطل ، ثم ظننت أن ذلك فيما بينك وبين الله ينجيك ، وفيما بينك
__________________
(١) العقد الفريد : معادله ، لا يقصر له في برّ ولا إعظام.
(٢) العقد الفريد : مع قرابة الرحم ووجوب الحق وعظم قدر الأبوة ، وما بلوت منه في الطاعة والنصيحة وحسن المؤازرة.
(٣) في العقد الفريد : خطرف.
(٤) الزيادة عن مختصر ابن منظور ، وفي العقد : الموالي الأخيار.
(٥) في المختصر : بالعنف.