لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (١٧) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨))
وقيل : كان عوف بن مالك الأشجعي ذا أهل ومال ، فإذا أراد أن يغزوا تعلّقوا به وبكوا إليه ورقّقوه ، فهمّ بأذاهم. فنزلت :
(إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) بلاء ومحنة ، لأنّهم يوقعون في الإثم والعقوبة ، ولا بلاء أعظم منهما. ألا ترى إلى قوله : (وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) لمن آثر محبّة الله وطاعته على محبّة الأموال والأولاد والسعي لهم. وفي الحديث : «يؤتى برجل يوم القيامة فيقال : أكل عياله حسناته».
وعن بعض السّلف : العيال سوس الطاعات.
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أنّه كان يخطب فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان ، فنزل إليهما فأخذهما ووضعهما في حجره على المنبر فقال : صدق الله عزوجل (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ). رأيت هذين الصبيّين فلم أصبر عنهما. ثمّ أخذ في خطبته».
وعن ابن مسعود قال : لا يقولنّ أحدكم : اللهمّ إنّي أعوذ بك من الفتنة ، فإنّه ليس أحد منكم يرجع إلى مال وأهل وولد إلّا وهو مشتمل على فتنة. ولكن ليقل : اللهمّ إنّي أعوذ بك من مضلّات الفتن.
(فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) أي : ابذلوا في تقواه جهدكم وطاقتكم. ولا تنافي بين هذا وبين قوله : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) (١) لأنّ كلّ واحد منهما إلزام لترك جميع المعاصي ، فمن فعل ذلك فقد اتّقى عقاب الله ، لأنّ من لم يفعل قبيحا ولا أخلّ بواجب فلا عقاب عليه. إلّا أنّ في أحد الكلامين تبيينا أنّ التكليف لا يلزم العبد إلّا
__________________
(١) آل عمران : ١٠٢.