تقرّبا إلى الله ، كقوله : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) (١) ، وهو مغفور له. فلمّا كانت حالهم كحال المتقرّبين ، حيث يطلبون ما هو حاصل لهم من الرحمة ، سمّي تقرّبا.
وقيل : تتفاوت أنوارهم بحسب أعمالهم ، فيسألون إتمامه تفضّلا ، كما قيل : إنّ السابقين إلى الجنّة يمرّون مثل البرق على الصراط ، وبعضهم كالريح ، وبعضهم حبوا وزحفا ، فأولئك الّذين يقولون ربّنا أتمم لنا نورنا. (وَاغْفِرْ لَنا) واستر علينا معاصينا (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
ويؤيّد القول الأول قوله إثر ذلك : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ) بالسيف (وَالْمُنافِقِينَ) بالحجّة (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) واستعمل الخشونة فيما تجاهدهم إذا بلغ الرفق نهايته ولم يؤثّر (وَمَأْواهُمْ) ومآل الكفّار والمنافقين (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) جهنّم ، أو مأواهم.
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠))
ثمّ مثّل الله عزوجل حال الكفّار ـ في أنّهم يعاقبون على كفرهم وعداوتهم للمؤمنين معاقبة مثلهم من غير إبقاء ولا محاباة ، ولا ينفعهم مع عداوتهم لهم ما كان بينهم وبينهم من لحمة نسب أو وصلة صهر ، لأنّ عداوتهم لهم وكفرهم بالله ورسوله قطع العلائق وبتّ الوصل ، وجعلهم أبعد من الأجانب ، وإن كان المؤمن الّذي يتّصل به الكافر نبيّا من أنبياء الله ـ بحال امرأة لوط وامرأة نوح لمّا نافقتا وخانتا الرسولين ،
__________________
(١) محمد : ١٩.