العذاب ، كما قال : (إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) ولم ينفعه ذلك.
(فَكانَ عاقِبَتَهُما) عاقبة الفريقين الداعي والمدعوّ ، من الشيطان ومن أغواه من المنافقين واليهود (أَنَّهُما فِي النَّارِ) أنّهما معذّبان في النار (خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) فضرب الله تعالى هذه القصّة لبني النضير حين اغترّوا بالمنافقين ، ثمّ تبرّؤا منهم عند الشدّة وأسلموهم. وقيل : المراد بالإنسان أبو جهل ، قال له إبليس يوم بدر : (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) إلى قوله : (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ) (١). قيل : أراد بالشيطان والإنسان اسم الجنس لا المعهود ، فإنّ الشيطان أبدا يدعو الإنسان إلى الكفر ، ثمّ يتبرّأ منه وقت الحاجة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩))
ثمّ رجع إلى موعظة المؤمنين ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ) من عمل صالح ينجيه ، أو طالح يوبقه ويرديه (لِغَدٍ) ليوم القيامة.
سمّاه غدا لدنوّه ، كاليوم الّذي يلي يومك. أو لأنّ الدنيا كيوم ، والآخرة كغده.
وتنكيره للتعظيم ، ولإبهام أمره ، كأنّه قيل : لغد لا يعرف كنهه لعظمته. وأمّا تنكير النفس فلاستقلال الأنفس النواظر فيما قدّمن للآخرة ، كأنّه قال : فلتنظر نفس واحدة في ذلك.
(وَاتَّقُوا اللهَ) تكرير للتأكيد ، أو الأوّل في أداء الواجبات ، لأنّه مقرون
__________________
(١) الأنفال : ٤٨.