قتال ، ويريحوهم من جوارهم ، فكان كما قال ، فاستدلّوا بذلك على صدق الرسول.
(وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ) الخروج من أوطانهم على ما اقتضته حكمته (لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا) بالقتل والسبي ، كما فعل بإخوانهم بني قريظة (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ) استئناف معناه : إنّهم إن نجوا من عذاب الدنيا لم ينجوا من عذاب الآخرة.
(ذلِكَ) إشارة إلى ما ذكر من عذاب الدنيا ، وما كانوا بصدده من الفساد ، وما هو معدّ لهم في الآخرة. أو إلى الأخير. (بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) خالفوهما (وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) فيعاقبهم على مشاقّتهم أشدّ العقاب.
(ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (٥))
روي : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين محاصرة حصونهم أمر بقطع نخيلهم وتحريقها ، فنادوه : يا محمّد قد كنت تنهى عن الفحشاء ، فما بالك تقطع النخل؟ ووقع في أنفس بعض المؤمنين شيء من ذلك. فأنزل الله سبحانه :
(ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) محلّ «ما» نصب بـ «قطعتم» ، أي : أيّ شيء قطعتم من نخلة. فعلة ، وياؤها عن واو ، كالديمة. من اللون ، ويجمع على ألوان. والمراد ضروب النخل وأنواعها. وقيل : من اللين. ومعناها : النخلة الكريمة ، مثل العجوة والبرنية. وجمعها : لين وأليان. وعلى هذا تخصيصها بالقطع ليكون غيظ اليهود أشدّ.
(أَوْ تَرَكْتُمُوها) الضمير لـ «ما». وتأنيثه لأنّه مفسّر باللينة. (قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ) فبأمره (وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) علّة لمحذوف ، أي : وفعلتم ، أو وأذن لكم في القطع ليجزيهم على فسقهم بما غاظهم منه ، وضاعف لهم حسرة. وفيه دليل على جواز هدم ديار الكفّار ، وقطع أشجارهم ، زيادة لغيظهم.