(فَآمِنُوا بِاللهِ
وَرَسُولِهِ) محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَالنُّورِ الَّذِي
أَنْزَلْنا) يعني : القرآن ، فإنّه بإعجازه ظاهر بنفسه مظهر لغيره
ممّا فيه شرحه وبيانه (وَاللهُ بِما
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فمجاز عليه.
(يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ) ظرف لـ «تنبّؤنّ» أو لـ «خبير» لما فيه من معنى الوعيد
، كأنّه قيل : والله معاقبكم يوم يجمعكم. أو بإضمار : اذكر. وقرأ يعقوب : نجمعكم
بالنون.
(لِيَوْمِ الْجَمْعِ) لأجل يوم يجمع فيه الأوّلون والآخرون للحساب في الجزاء (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) يغبن فيه بعضهم بعضا ، لنزول السعداء منازل الأشقياء
الّتي كانوا ينزلونها لو كانوا سعداء ، ونزول الأشقياء منازل السعداء الّتي كانوا
ينزلونها لو كانوا أشقياء. وفيه تهكّم بالأشقياء ، لأنّ نزولهم ليس بغبن.
وفي حديث رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما من عبد مؤمن يدخل الجنّة إلّا أري مقعده من النار
لو أساء ، ليزداد شكرا. وما من عبد يدخل النار إلّا أري مقعده من الجنّة لو أحسن ،
ليزداد حسرة».
ويوم التغابن
بهذا المعنى مستعار من : تغابن القوم في التجارة. واللام فيه للدلالة على أنّ
التغابن الحقيقي في أمور الآخرة لعظمها ودوامها.
وقيل : تغابن
تفاعل من الغبن ، وهو أخذ شرّ وترك خير ، وهو المغبون ، أو أخذ خير وترك شرّ ، فهو
الغابن. فالمؤمن ترك حظّه من الدنيا ، وأخذ حظّه من الآخرة ، فترك ما هو شرّ له ،
وأخذ ما هو خير له ، فكان غابنا. والكافر ترك حظّه من الآخرة ، وأخذ حظّه من
الدنيا ، فترك الخير وأخذ الشرّ ، فكان مغبونا. فيظهر في ذلك اليوم الغابن
والمغبون.
فعلى هذا ؛
الآيتان المذكورتان بعد ذلك تفصيل للتغابن ، وهما قوله : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ
صالِحاً) أي : عملا صالحا (يُكَفِّرْ عَنْهُ
سَيِّئاتِهِ) معاصيه (وَيُدْخِلْهُ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) مؤبّدين فيها ، ولا يفنى