فقالوا : يوم السبت لليهود ، ويوم الأحد للنصارى ، فاجعلوه يوم العروبة. فاجتمعوا إلى سعد بن زرارة ، فصلّى بهم يومئذ ركعتين ، وذكّرهم ووعّظهم ، فسمّوه يوم الجمعة ، لاجتماعهم فيه. فأنزل الله آية الجمعة ، فهي أوّل جمعة كانت في الإسلام.
وأمّا أوّل جمعة جمّعها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فهي أنّه لمّا قدم المدينة مهاجرا نزل قباء على بني عمرو بن عوف ، وأقام بها يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ، وأسّس مسجدهم ، ثمّ خرج يوم الجمعة عامدا المدينة ، فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم ، فخطب وصلّى الجمعة في دارهم.
(فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) فامضوا إليه مسرعين قصدا غير متثاقلين ، فإنّ السعي دون العدو. والذكر الخطبة. وقيل : الصلاة. والأمر بالسعي إليها يدلّ على وجوبها.
(وَذَرُوا الْبَيْعَ) أي : اتركوا المعاملة وجميع ما يذهل عن ذكر الله ، من شواغل الدنيا.
وإنّما خصّ البيع من بينها لأنّ يوم الجمعة يوم يهبط الناس فيه من قراهم وبواديهم ، وينصبّون (١) إلى المصر من كلّ أوب ، ووقت هبوطهم واجتماعهم واغتصاص الأسواق بهم إذا تعالى الضحى ودنا وقت الظهيرة ، وحينئذ يتكاثر البيع والشراء. فلمّا كان ذلك الوقت مظنّة الذهول بالبيع عن ذكر الله والمضيّ إلى المسجد ، قيل لهم : بادروا إلى تجارة الآخرة ، واتركوا تجارة الدنيا ، واسعوا إلى ذكر الله الّذي لا شيء أنفع منه وأربح. وقيل : سمّي جنس المعاملة بيعا تسمية للشيء باسم أكثر أنواعها وقوعا.
(ذلِكُمْ) أي : السعي إلى ذكر الله (خَيْرٌ لَكُمْ) من المعاملة ، فإنّ نفع الآخرة خير وأبقى (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الخير والشرّ الحقيقيّين ، أو كنتم من أهل العلم.
وفي الحديث : «أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : اعلموا أنّ الله تعالى قد افترض
__________________
(١) أي : ينحدرون.