(وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) لا يعلم مقادير ساعاتهما كما هي إلّا الله ، فإنّ تقديم اسمه مبتدأ مبنيّا عليه «يقدّر» يشعر بالاختصاص. ويؤيّده قوله : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) أي : لن تحصوا تقدير الأوقات ، ولن تستطيعوا ضبطها بالتعديل والتسوية ، إلّا أن تأخذوا بالأوسع للاحتياط (فَتابَ عَلَيْكُمْ) عن الجبائي : معناه : جعله تطوّعا بعد أن كان فرضا. وقيل : معناه : فلم يلزمكم إثما كما لا يلزم التائب.
وقيل : فخفّف عليكم هذا التكليف. والكلّ عبارة عن الترخيص في ترك القيام المقدّر ، ورفع التبعة فيه ، كرفع التبعة عن التائب.
(فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) فصلّوا ما تيسّر عليكم من صلاة الليل. عبّر عن الصلاة بالقرآن كما عبّر عنها بسائر أركانها. ثمّ نسخ ذلك أيضا بالصلوات الخمس.
وقيل : فاقرؤا القرآن بعينه كيفما تيسّر عليكم. ومن قال : المراد به قراءة القرآن في غير الصلاة ، فهو محمول على الاستحباب عند الأكثر دون الوجوب.
وقال بعضهم : هو محمول على الوجوب ، لأنّ القارئ يقف على إعجاز القرآن وما فيه من دلائل التوحيد وإرسال الرسل. ولا يلزم حفظ القرآن ، لأنّه من القرب المستحبّة المرغّب فيها.
ثمّ اختلفوا في القدر الّذي تضمّنه هذا الأمر من القراءة. فقال سعيد بن جبير : خمسون آية. وقال ابن عبّاس : مائة آية. وعن الحسن قال : من قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجّه القرآن. وقال كعب : من قرأ مائة آية في ليلة كتب من القانتين. وقال السدّي : مائتا آية. وقال جويبر : ثلث القرآن ، لأنّ الله يسّره على عباده. وعلى مذهب أصحابنا لا تجب القراءة إلّا في الصلوات الواجبة ، وفي غيرها مندوبة.
ثمّ بيّن حكمة اخرى مقتضية للترخيص والتخفيف ، فقال مستأنفا : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ) يسافرون (فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ