روي : أنّ كفّار مكّة كانوا يدعون على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى المؤمنين بالهلاك ، فقال الله سبحانه : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ) أماتني (وَمَنْ مَعِيَ) من المؤمنين (أَوْ رَحِمَنا) بتأخير آجالنا (فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) أي : لا ينجيهم أحد من العذاب. قيل : وهو جواب لقولهم : (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) (١).
وتنقيح المعنى : أنّ الله سبحانه أمر رسوله بأن يقول للكافرين : نحن مؤمنون متربّصون لإحدى الحسنيين : إمّا أن نهلك كما تتمنّون ، فننقلب إلى الجنّة ، أو نرحم بالنصرة والإدالة (٢) للإسلام كما نرجو ، فمن يجيركم وأنتم كافرون من عذاب النار؟
يعني : أنتم تطلبون لنا الهلاك الّذي هو استعجال للفوز والسعادة ، وأنتم في أمر هو الهلاك الّذي لا هلاك بعده ، وأنتم غافلون لا تطلبون الخلاص منه.
أو المعنى : إن أهلكنا الله بالموت فمن يجيركم بعد موت هداتكم من النار؟ وإن رحمنا بالإمهال والغلبة عليكم وقتلكم فمن يجيركم؟ فإنّ المقتول على أيدينا هالك. أو إن أهلكنا الله في الآخرة بذنوبنا ونحن مسلمون ، فمن يجير الكافرين وهم أولى بالهلاك لكفرهم؟ وإن رحمنا بالإيمان فمن يجير من لا إيمان له؟
(قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ) الّذي أدعوكم إليه مولي النعم كلّها (آمَنَّا بِهِ) للعلم بذلك (وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) للوثوق عليه ، والعلم بأنّ غيره بالذات لا يضرّ ولا ينفع.
وتأخير صلة «آمنّا» وتقديم صلة «توكّلنا» لأجل أنّ وقوع «آمنّا» تعريض بالكافرين حين ورد عقيب ذكرهم ، كأنّه قيل : آمنّا ولم نكفر كما كفرتم. ثم قال : وعليه توكّلنا خصوصا ، لم نتّكل على ما أنتم متّكلون عليه من رجالكم وأموالكم.
__________________
(١) الطور : ٣٠.
(٢) الإدالة : الغلبة.