فلايحسن منه وضعها
في الكلام موضع التأبيد بأيّ صورة تصورت ، كيف لا وقد قال تعالى : (
مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ
مُسَمًّى ... )
؟ وكيف يصح مع ذلك أن يقال : إن الجنة والنار
خالدتان أبداً مادامت السماوات والأرض ؟
وقوله : ( إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ )
نقل العلامة الطبرسي والقرطبي في المقصود من الاستثناء عشرة وجوه ، وهي كما يلي :
أولاً : أنه إستثناء في الزيادة من
العذاب لأهل النار ، والزيادة من النعيم لأهل الجنة ، والتقدير إلّا ما شاء ربك من الزيادة على هذا المقدار ، كما يقول الرجل لغيره : لي عليك ألف دينار إلّا الألفين اللذين أقرضتكهما وقت كذا ، فالألفان زيادة على الألف بغير شك ، لأنّ الكثير لا يستثنى من القليل ، وعلى هذا يكون ( إلّا ) بمعنى ( سوى ) أي سوى ماشاء ربك ، كما يقال : ماكان معنا رجل إلّا زيد ، أي سوى زيد. وقد رده العلامة الطباطبائي بقوله : إنّه مبني على عدم
إفادة قوله : (
مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ) الدوام والأبدية ، وقد عرفت خلافه.
وقال ابن القيم : لاتخفى منا فرته والمستثنى
منه ، وأن الذي يفهمه المخاطب مخالفة ما بعد ( إلّا ) لما قبلها.
ثانياً : أن الاستثناء واقع على مقامهم
في المحشر والحساب ، لانهم حينئذٍ ليسوا في جنة ولانار ومدة كونهم في البرزخ الذي هو ما بين الموت والحياة ، لأنّه تعالى لو قال خالدين فيها أبداً ولم يستثن لظنّ الظان أنهم يكونون في النار والجنة من لدن نزول الآية ، أو من بعد انقطاع التكليف ، فحصل للاستثناء
________________