النوع باذن الله من غير قسر ، إلّا أنها لما كانت صادرة عن نوعيته من غير قسر ، فهي دائمة من غير زوال بخلاف ما لو كانت حاصلة بالقسر ، ومثل هذا الانسان المعذب بلوازم ملكاته من وجه ، مثل من ابتلى بمرض الماليخوليا أو الكابوس المستمر ، فإنه لا يزال يصدر عن قوة تخيله صور هائلة أو مشوهة يعذب بها ، وهو نفسه هو الذي يوجدها من غير قسر قاسر ، ولو لم تكن ملائمة لطبعة المريض ما أوجدها ، فهو وإن لم يكن متألماً من حيث انتهاء الصدور اليه نفسه ، لكنه معذب بها من حيث أن العذاب ما يفر منه الانسان إذا لم يبتل به بعد ويجب التخلص عنه إذا ابتلى به ، وهذا الحد يصدق على الأمور المشوهة ، والصور غير الجميلة التي تستقبل الانسان الشقي في دار آخرته ، فقد بان أن العذاب خالد غير منقطع عن الانسان الشقي الذي لذاته شقوة لازمة. ١
ولهذا نجد العلامة في تعليقه على الأسفار يرد على صدرالدين الشيرازي في قوله : لا يخلو الكفر أو ما يجري مجراه إما أن يخرج الانسان عن الفطرة الأولى ويدخله في فطرة أخرى من نوع آخر أو لا ، وعلى التقديرين يلزم أن لا يكون العذاب أبدياً.
ويجيب العلامة عنه بقوله : أما على الشق الأول ـ وهو الخروج عن الفطرة بحصول نوعية جديدة ـ فلأن هذه الصورة الجديدة ـ كيفما كانت ـ هي صورة بعض الملكات الخبيثة التي حقيقتها نوع من التعلق بالمادة والنفرة عن عالم القدس والطهارة ، فاذا تصور بها الانسان وأخذت آثارها في الظهور ، ثم فارقت النفس البدن ، وظهرت لها حقيقة الأمر كان ما يصدر عنها من الآثار مؤلماً لها ، وهي لا محيص لها عن إصدارها لمكان الملكة التي صارت صورة
________________
١. راجع : تفسير الميزان ، ج ١ ، ص ٤١٢ ، ٤١٣.