من الايمان والطاعات فقد أحاطت به خطيئته ، ولا نسلم أن من اكتسب خطيئة فقد تعدّي حدوده ، بل بعض حدوده والمراد من قوله تعالى : ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا ... ) أي قتلة لأنه مؤمن ولا يكون ، ذلك القاتل إلّا كافراً. ١ فالآيات التي تمسكت بها المعتزلة في رأي الايجي لا تتناول مرتكب الكبيرة بل هي مختصة بالكفار. وذهب إلى هذا الرأي أيضاً ابن نوبخت ، ٢ والسيد مرتضى ، ٣ وذكره جمع من المتكلمين كأحد الوجوه في هذه المسألة. ٤
وإمام الحرمين الجويني ( المتوفىٰ ٤٧٨ ه ) في ردّه على المعتزلة في تمسكهم بآية قتل العمد لإثبات خلود مرتكب الكبيرة في النار حيث قال : وقد قال ابن عباس في تأول الآية ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا ) مستحلاً لقتله ، والعمد على الحقيقة إنما يصدر من المستحل ، فأما من يعتقد أن القتل من أعظم الكبائر فيجرئه هواه ويزعه اعتقاده فلا يقدم على الأمر إلا خائفاً وجلاً ، وآية ذلك أن الرب تعالى لما ذكر القصاص ووجوبه لم يقرنه بالوعيد والخلود ، وحيث ذكر الخلود لم يتعرض لوجوب القصاص ، وذلك أصدق دلالة على أن التوعد بالخلود للكافر المستحل الذي لا تجري عليه ظواهر الاحكام ، فان الحربي الذي لم يلتزم أحكامنا إذا قتل لم يقض عليه بوجوب القصاص. ٥
٢. إن هذه الآيات معارضة مع آيات الخلود في الوعد كقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ٦ وكذلك معارضة مع آيات تتضمن القطع بغفران الله
________________
١. راجع : الشريف الجرجاني ، مناهج اليقين ، ج ٤ ، ص ٣٣٣.
٢. راجع : العلامة الحلي ، شرح الياقوت ، ص ١٧٤.
٣. راجع : المرتضى علم الهدى ، شرح جمل العلم والعمل ، ص ١٤٤.
٤. راجع : اللوامع الالهية ، ص ٣٩٧ ؛ شرح التجريد ، ص ٢٤٢ ؛ شرح المقاصد ، ج ٥ ، ص ١٣٣.
٥. اما الحرمين الجويني ، الارشاد ، ص ٣٢٦. |
٦. الاعراف ، ٤٢. |