أقول : الاجماع غير ثابت في موضع النزاع ، والدليل على ما قالوه أن الضرورات تبيح المحذورات ، والاخبار الواردة في المنع من التداوي بها محمولة على حال الاختيار ، فيجوز التداوي بها حال الاضطرار ، كما ذهب اليه جماعة من الاخيار.
وأما الاحتياط وليس من الادلة الشرعية ، فيقتضي أباحتها عند الضرورة ، لان حفظ البدن وأجزائه من الواجبات وتركه من المحرمات ، والاجتناب من الخمر وما شاكلها من المسكرات انما يجب اذا لم يؤد الى ما هو أشد منه تحريما ، ولذلك لم يجب حال التقية وخوف قتل النفس والضرر البدني والمالي الذي لا يحتمل مثله مثله.
هذا ، أقول : ومما يدل على جواز التداوي بالمحرم في حال الاضطرار ما رواه الشيخ في التهذيب والاستبصار في باب ما يجب على المحرم اجتنابه في احرامه ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن اسماعيل بن جابر ، وكانت عرضت له ربح في وجهه من علة أصابته وهو محرم ، قال فقلت لابي عبد الله عليهالسلام : ان الطبيب الذي يعالجني وصف لي سعوطا فيه مسك ، فقال : استعط به (١).
سعط الدواء ، وأسعطه اياه أدخله في أنفه ، والسعوط كصبور ذلك الدواء.
وجه الدلالة أن المحرم يحرم عليه في احرامه من الطيب أربعة أشياء : المسك والعنبر ، والورس ، والزعفران. وقد رخصه الامام عليهالسلام أن يستعط وهو محرم بسعوط فيه مسك لضرورة ما كانت به من علة.
ويستفاد من هذا الحديث الصحيح جواز الرجوع الى الطبيب والعمل بقوله في المعالجات ، أفاد قوله الظن بما قال أم لم يفد ، مسلما كان أم كافرا ، عادلا كان
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٢٩٨ ، والاستبصار ٢ / ١٧٩.