اللحم أم لا ، وإمّا أن يكون من جهة الشبهة الموضوعية ، بأن يعلم كون الفرس من المأكول مثلاً وكون الأسد من غيره ، لكن يشك في أنّ هذا الجلد من المأكول أو غيره ، فإنْ كان الشك من قبيل الأول فمقتضى الأصل الموضوعي كونه من المأكول فتجوز الصلاة فيه ، كما يدل عليه ما ورد من أنّه سئل عن أنّه : هل يجوز أكلُ لحم الحمار؟ فقال عليهالسلام : « اقرأ قوله تعالى ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً ) (١) ، فهل ترى لحم الحمار منها؟. فقال : لا ، قال عليهالسلام : « إذَنْ يحلّ أكله » (٢).
فهذا يدلّ على أنّ كلّ ما شكّ في حلّيّته ولم يكن من المستثنيات فحكمه الحلّ ، وقد عمل الأكثر بهذه القاعدة. إلّا إنّ الذي يظهر من الشهيد الثاني رحمهالله في ( الروضة ) إنكارها حيث قال : إنّ الحيوان المتولِّد من حيوانين ولم يكن داخلاً في أحدهما يحكم بطهارته وحرمة أكله للأصل فيهما (٣). ولكنه مخالف لما عليه الأكثر ؛ ولقاعدة الحلّ المستفادة من العمومات ، والرواية المذكورة.
وإن كان الشكّ من قبيل الثاني فليس في المقام أصل يحرز كونه ممّا يجوز الصلاة فيه ، وإنْ حكمنا بجواز أكله لقاعدة الحلّ وأصل الإباحة والبراءة من الحرمة ، خلافاً لما ذكره العلّامة رحمهالله ، حيث قال في بعض كتبه : ( إنه إذا شكّ في كون الشيء جزء ما يؤكل لحمه أو جزء غيره حكم بطهارته وحرمة أكله لعدم إحراز سبب الحلّ وإن أُحرز وقوع التذكية عليه ؛ لأنّ التذكية قسمان : قسم يكون سبباً للطهارة فقط كما إذا وقعت على الأسد ونحوه ممّا لا يحلّ أكله بعد التذكية ، وقسم يكون سبباً للطهارة وحلّ الأكل كما إذا وقعت على الأنعام ، فمتى لم يحرز القسم الثاني من التذكية في الأمر المشكوك لم يحكم بجواز أكله ؛ لعدم إحراز السبب لذلك والأصل عدمه ، ويحكم بطهارته لحصول سببها وهو التذكية المطلقة ).
وفيه : أنّ التذكية لا تكون سبباً للحلّ أصلاً ، وأنّ حلّ الأكل في المأكولات إنّما هو
__________________
(١) الأنعام : ١٤٥.
(٢) علل الشرائع ٢ : ٢٨٤ / ٣٥٩ ، باختلاف ، البحار ٦٢ : ١٧٦ ١٧٧ / ١٠ ، ١١ ، ١٢ ، ١٣ ، نقلاً عن العلل.
(٣) الروضة البهية ١ : ٤٩ ، بالمعنى.