نقل جملةٌ من المتأخّرين عن الشيخ في ( الخلاف ) التخيير أيضاً للإمام ، ونفى عنه البأسَ سيّدُ ( المدارك ) (١) ؛ والفاضلُ الباقر المجلسي رحمهالله (٢). ونُقل أيضاً احتمالُهُ عن معتصم الكاشاني (٣). ويظهر من جعل فاضل ( الرياض ) وجوب الحضور على الإمام أشهرَ القولين (٤) ، أنّ تخييره أيضاً مشهورٌ ؛ قضاءً لحقّ صيغة التفضيل.
إلّا إنّ الإنصاف أنّ عبارة ( الخلاف ) غيرُ ظاهرة في الخلاف ، ولعلّ الناقل أخذه من إطلاق قوله رحمهالله : ( فمَنْ صلّى العيدَ كان مخيّراً في حضور صلاة الجمعة ، وألّا يحضرها ). والظاهر إرادته غير الإمام ، مع أنّ غيره من الفقهاء عبّر بمثل هذه العبارة ، أو عينها ، فينبغي أنْ يفهم منها إطلاق التخيير ، ولا ينبّئك مثلُ خبير.
وهذا نصُّ عبارته رحمهالله : ( إذا اجتمع عيدٌ وجمعةٌ في يومٍ واحدٍ سقط فرضُ الجمعة ، فمَنْ صلّى العيدَ ، كان مخيّراً في حضور الجمعة وألّا يحضرها ، وبه قال ابن عباس ، وابن الزبير. وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، ومالك : لا يسقط فرضُ الجمعة بحال. دليلُنا إجماعُ الفرقة ) (٥).
ثمّ أورد أكثر الأخبار المذكورة ، ولم يتعرّضْ لحكم الإمام بعينٍ ولا أثر ، كما لا يخفى على مَنْ أنعمَ وأمعنَ النظر.
فإنْ احتجّ بروايته (٦) أنّ ابن الزبير صلّى العيدَ ولم يخرجْ إلى الجمعة بضميمة قول ابن عباس : إنّه أصاب السنّة بدلالته على سقوط الجمعة عن الإمام.
قلنا : إنّ مجرّدَ روايته لها لا يستلزم العمل بها ، مع أنّه روى من طريقنا خبري إسحاق بن عمّار (٧) ؛ وسلمة (٨) ، وهما صريحان في صلاة الجمعة من الإمام. وحينئذٍ فينتفي الخلافُ عن ظاهر ( الخلاف ) ، ويحصل الاجتماع والائتلاف ، ويتّجه أنّ اختصاص التخيير بمَنْ عدا الإمام هو الأوفق بمقتضى الدليل العامّ مضافاً للشهرة المحقّقة ، والإجماع المنقول عمّن سمعت من الأعلام ، واللهُ العالمُ بحقائق الأحكام.
__________________
(١) مدارك الأحكام ٤ : ١٢٠. (٢) البحار ٨٧ : ٣٧٨ ٣٧٩.
(٣) المصدر غير متوفّر لدينا. مفاتيح الشرائع ١ : ٣٠.
(٤) رياض المسائل ٢ : ٤٦. (٥) الخلاف ١ : ٦٧٣.
(٦) الخلاف ١ : ٦٧٤.
(٧) الخلاف ١ : ٦٧٤.
(٨) الخلاف ١ : ٦٧٥.