وثانياً : أنّ هذا الجعل حكمة تقريبيّة ، لا علّة حقيقة ، فلا تسقط بها الأحكام الشرعيّة.
وثالثاً : أنّه إنّما يتمُّ على الفصل بين ذي البعد والاقتراب ، وهو لا يقولُ به في هذا الكتاب ، فالتعليلُ به في غاية الاغتراب.
وكيف كان ، فمقتضى ما مرّ من قوّة الخبرين ، سنداً ودلالةً ، وثبوتِ كونِ القيد في ثانيهما من كلام الإمام ، وكونهِ كاشفاً عن مراده عليهالسلام يقوى تقييدُ الإطلاق بهما ، كما هو المنقول عن ابن الجنيد (١) ، والعلّامة في ( التحرير ) (٢) ، وجعله المحقّق في ( الشرائع ) (٣) : أشبه. ويظهر أيضاً من شهيد ( الذكرى ) (٤) الميلُ إليه ، لأنّه استدلّ لابن الجنيد ، وحَمِدَ عليه.
واختاره من محقّقي المتأخّرين المحقّقُ المنصف ، الشيخ يوسف في ( رسالة الصلاة ) وشرحها ، ويظهر أيضاً من ثقة الإسلام في ( الكافي ) (٥) ؛ وشيخِ الطائفة في ( التهذيب ) (٦) ؛ لاقتصارهما على ذكر الخبر الظاهر في اختصاص التخيير بالبعيد ، بل نسبه المحدِّثُ المبرورُ في ( شرح المفاتيح ) (٧) لكثيرٍ من القدماء.
نعم يبقى الكلامُ في حدِّ القرب والبعد المناطِ بهما التخييرُ ؛ وعدمُه ؛ لأنّهما من الأُمور النسبيّة ، فيصدق على بلدةٍ أنّها بعيدةٌ بالنسبة إلى أُخرى قريبةٌ بالنّسبة إلى غيرها. بل قد يصدق القاصي على مَنْ بَعُدَ بأدنى بُعْدٍ ، فيدخل الجميعُ إلّا من جاور المسجد.
ولعلّ المرادَ به مَنْ كان خارجاً عن بلد الصلاة ، كما عبّر به في ( المعتبر ) (٨). وإليه يرجع ما في ( اللمعة ) من التعبير : بـ ( القروي ) (٩) ؛ وما في ( الشرائع ) من التعبير : بـ ( أهل السّواد ) (١٠) ، وما في خبر ( الجعفريات ) و ( الدعائم ) (١١) من التعبير : بـ ( أهل البوادي ).
__________________
(١) عنه في المختلف ٢ : ٢٦٠ ، فتاوى ابن الجنيد : ٦٤.
(٢) تحرير الأحكام : ٤٦. (٣) شرائع الإسلام ١ : ٩٢.
(٤) الذكرى : ٢٤٣. (٥) الكافي ٣ : ٤٦١ / ٨.
(٦) التهذيب ٣ : ١٣٧ / ٣٠٦. (٧) شرح المفاتيح ٢ : ٧١.
(٨) المعتبر للمحقق ٢ : ٣٢٦. (٩) الروضة البهية ١ : ٣١٠.
(١٠) شرائع الإسلام ١ : ٩٢.
(١١) دعائم الإسلام ١ : ٢٣٩.