الصلاتين ) (١).
فلا دلالة فيه على تعيّن الحضور للجمعة ، لمَنْ صلّى العيد ، ولم يذكر في الباب سواه.
واستدلّ في ( التذكرة ) على التخيير مطلقاً بأنّ الجمعةَ إنّما زادتْ على الظهر بالخطبة وقد حصل سماعُها في العيد ، فأجزأ عن سماعها ثانياً ؛ وبأنّ وقتها متقاربٌ ، فتسقطُ إحداهما بالأُخرى ، كالجمعة مع الظهر ؛ وبأنّه يومُ عيدٍ جُعل للراحةِ واللذّة ، فإنْ أقام المصلِّي إلى الزوال ، لحقته المشقةُ أيضاً (٢).
وأنت خبيرٌ بأنّ هذه الوجوه كلّها تقريبيةٌ اعتباريةٌ ، لا تصلُح لتأسيس الأحكام الشرعيّة. وإنّما مرادُهُ رحمهالله تطبيق الأدلّة النقليّة على الأدلّة العقليّة ؛ تقريباً للإفهام ، وإلزاماً للعوامّ الموجبين لتعيّن الحضور على المأموم والإمام ؛ إذ يتوجّه على الأوّل :
أوّلاً : أنّ الصلاةَ وسائر العبادات توقيفيّةٌ من الشارع ، وتعليميّةٌ من الصادع ، ولا مدخليةَ لزيادةِ بعضِها على بعض ، أو تساويها في السقوط ، إلّا بدليلٍ قاطع ، وبرهانٍ ساطع.
وثانياً : منعُ إجزاء سماعِ خطبة العيد عن سماع خطبة الجمعة ، إلّا على القول بعدم وجوب استماعها ، ومع ذلك فهو خارجٌ عن فرض المسألة ، ومحلّ نزاعها.
وثالثاً : أنّ عدمَ وجوبِ استماع الخطبة لا يسقط التكليف بالجمعة ، خصوصاً على القول بأنّ أصل التكليف أنّما هو بها ، وإنّما تكون الظهر بدلها ؛ لعدم شرطها.
وعلى الثاني : أنّ تقارب الوقتين مع تسليمه لا يؤثر [ في (٣) ] سقوط أحد الفرضين ، وإلّا لأثّر في سقوط إحدى الظهرين والعشاءين عند اشتراك الوقتين. وأمّا سقوط الظهر بالجمعة ، أو الجمعة بالظهر ، فهو بالدليل الوارد في البين.
وعلى الثالث : أوّلاً : أنّ حضور الجمعة قد لا ينافي اللذّة (٤) والراحة ، بل قد يوجب للبعض سعةَ الصدر وانشراحَه.
__________________
(١) صحيح مسلم ٢ : ٥٠١ / ٨٧٨ ، وفيه : ( يقرأ ) بدل ( يصلّي ).
(٢) تذكرة الفقهاء ٤ : ١١٤.
(٣) زيادة اقتضاها السياق.
(٤) في المخطوط : ( في اللذة ).