وربّما يستظهر أيضاً من عبارة الشيخ في ( النهاية ) ، حيث قال : ( فمَنْ شهدَ صلاةَ العيد ، كان مخيّراً بين حضور الجمعة ، وبين الرجوعِ إلى بيته ) (١). انتهى.
فإنّ التعبير بالرجوع إلى بيته ظاهرٌ في خروجه عن بلد الصلاة ، فيتّفق الجميعُ حينئذٍ على اختصاص الرخصة بمَنْ خرج عن البلد ، وتلحقه مشقّةُ العود ، أو الانتظار.
والأولى إحالة ذلك على العرف ، أو إناطةُ ذلك بالعُسر والحرج ، كما يُرشد إليه التعليلُ بالمشقّة ، فيختلف تكليفُهم حينئذٍ باختلاف بُعْدِهم ، وكثرةِ مشقتِهِم. فأقصى البعدِ مَنْ كان على رأسِ الفرسخين ، وأوسطُهُ مَنْ كان بينهما ، وأدناه مَنْ خرج من القرى عن بلد الصلاة ، واللهُ العالم.
وذهب أبو الصلاح ، وابنُ البرّاج ، وابنُ زهرة ، وباقي فقهاء الجمهور كما في ( التذكرة ) إلى وجوب الحضور للجمعة على كلِّ مَنْ صلّى العيدَ مطلقاً ، كمَنْ لم يصلِّها ؛ محتجّين بالاحتياط ، وبأنّ دليل الحضور قطعيٌ ، والمتضمّن لسقوط الجمعة ظنّي ، فلا يعارض القطعيّ. وباستلزام وجوب الحضور على الإمام الوجوب على غيره ؛ لأنّه يقبحُ وجوبُ فعلٍ يتوقّفُ على فعلٍ غيرِ واجب. وبأنّها ليست من فرائض الأعيان ، فلا يسقطُ بها ما هو من فرائض الأعيان (٢).
والجوابُ عن الاحتياط بانقطاع الشغل بالأدلّة المعتبرة ، من الأخبار القويّةِ المتكثّرة ؛ والشهرةِ المحقّقة ، والإجماعات المنقولة ، بل المحصّلة.
وعن الثاني : أوّلاً : تساويهما في القطعيّة والظنيّة ؛ لأنّ دلالته على وجوب الحضور بالظاهر ، وما دلّ على الترخيص دالٌّ بالنصّ الصريح ، فيكونُ حاكماً على دليل الحضور ؛ لأنَّ الخاصّ حاكمٌ على العامّ ، كما هو ظاهرٌ غاية الظهور.
وثانياً : بأنّ الخبر المتلقّى بالقبول ، المنجبر بالعمل من أعاظم الفحول ، المعتضد بالأدلّة العامّة من نفي العسر والحرج آيةً وروايةً ، المحفوف بالقرائن القويّة ، مما يلحق
__________________
(١) النهاية ( الطوسي ) : ١٣٤ ١٣٥.
(٢) تذكرة الفقهاء ٤ : ١١٥ ، الكافي في الفقه ( ضمن الينابيع الفقهية ) ٣ : ٢٨٢ ، المهذب ( ابن البراج ) ١ : ١٢٣ ، الغنية ( ضمن الينابيع الفقهية ) ٤ : ٥٥٩ ، المختلف ٢ : ٢٦٠ ٢٦١. المهذب ( الشيرازي ) ١ : ٢٠٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢٤ ، أسهل المدارك ( الكشناوي ) ١ : ٢٠٢.