وسمعت من بعض المشايخ أنّه لمّا غيّرت جماعة من علماء العامّة أصحابنا بأنّه ليس لكم فنّ كلام مدوّن ولا اصول فقه كذلك ولا فقه مستنبط وليس عندكم إلّا الروايات المنقولة عن أئمّتكم ، تصدّى جماعة من متأخّري أصحابنا لرفع ذلك ، فصنّفوا الفنون الثلاثة على الوجه المشاهد ، وغفلوا عن نهيهم عليهمالسلام أصحابهم عن تعلّم فنّ الكلام المبنيّ على الأفكار العقلية وأمرهم بتعلّم فنّ الكلام المسموع منهم عليهمالسلام وكذلك عن القواعد الاصولية الفقهية الغير المسموعة منهم عليهمالسلام. وكذلك عن المسائل الفقهية الاجتهادية ، وصرّحوا عليهمالسلام بأنّه علّموا أولادكم أحاديثنا قبل ألفة أذهانهم بما في الكتب الغير المأخوذة عنّا (١) وصرّحوا بأنّ ما في أيدي الناس من حقّ فقد خرج منّا أهل البيت وما في أيديهم من باطل فمن أنفسهم (٢).
وأنا أقول : لاكتفاء هذه الجماعة بمجرّد العقل في كثير من المواضع خالفوا الروايات المتواترة عن العترة الطاهرة عليهمالسلام في كثير من المباحث الكلامية والاصولية. وتفرّعت على المخالفة في الاصول المخالفة في المسائل الفقهية في مواضع كثيرة من حيث لا يدرون. ثمّ اكتفاؤهم بذلك وعدم رجوعهم إلى كلامهم عليهمالسلام إمّا لشبهة دخلت عليهم وإمّا لغفلة ، والله أعلم *. ولو التزموا عند تدوين الفنون
______________________________________________________
عن الأئمّة عليهمالسلام ويرجعون هم إلى الفتاوى والقياس وغير ذلك ممّا لم يصحّ عندنا الرجوع إليه.
* العجب من ادّعاء حصول الدلائل الاصوليّة المبنيّة غالبا على القواعد العقليّة والبراهين القطعيّة المفيدة للعلم كلّها من أحاديث الأئمّة عليهمالسلام ولو كان الأمر كذلك كان المتقدّمون أحقّ بهذا التنبّه وعدم الغفلة عنه والراحة ممّا ارتكبوه من الاستدلالات العقليّة والبحث فيها مع سعة اطّلاعهم على الأحاديث وقربهم منها ، فكيف يتنبّه ويتفطّن هذا المتأخّر القاصر عن رتبتهم واطّلاعهم بعد طول الزمان واندراس الآثار على شيء مهمّ لم يطّلعوا عليه؟ ولو لا ما دوّنوه واستنبطوه لتعطّل استفادة أكثر الأحكام والفروع من صريح الأخبار تفصيلا أو إجمالا ؛ على أنّا لم نر شيئا من الأحاديث الّتي ادّعى مخالفة العلماء لها في الأصوليين إلّا ما خالف بظاهره بعض الأحكام المعلوم من دين الشيعة خلاف ما دلّ عليه ظاهرها ، مثل الأخبار الواردة بأنّ المعرفة
__________________
(١) الكافي ٦ : ٤٧ ح ٥.
(٢) الكافي ١ : ٣٩٩ ، ح ١.