اعلم أنّ الله تعالى لمّا أن بعث محمّدا صلىاللهعليهوآله رسولا إلى كافّة الناس جميعا عربهم وعجمهم ، وهم كلّهم أهل شرك وعبدة غير الله تعالى إلّا بقايا من أهل الكتاب وكان من أمره صلىاللهعليهوآله مع قريش ما كان حتّى هاجر من مكّة إلى المدينة وكانت الصحابة حوله صلىاللهعليهوآله يجتمعون إليه في كلّ وقت مع ما كانوا فيه من ضنك المعيشة وقلّة القوت ، فمنهم من كان يحترف في الأسواق ، ومنهم من كان يقوم على نخله ويحضر رسول الله صلىاللهعليهوآله في كلّ وقت منهم طائفة عند ما تجد أدنى فراغ ممّا هم بسبيله من طلب القوت ، فإذا سئل رسول الله صلىاللهعليهوآله عن مسألة أو حكم أو أمر بشيء أو فعل شيئا وعاه من حضر عنده من الصحابة وفات من غاب عنه علم ذلك. ألا ترى أنّ عمر بن الخطّاب قد خفى عليه ما علمه جبل بن مالك بن النابغة ـ رجل من الأعراب من هذيل ـ في دية الجنين.
وكان يفتي في زمن النبيّ صلىاللهعليهوآله من الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وأبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وعمّار بن ياسر وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت وأبو الدرداء وأبو موسى الأشعري وسلمان الفارسي ـ رضياللهعنهم ـ.
فلمّا مات رسول الله صلىاللهعليهوآله واستخلف أبو بكر تفرّقت الصحابة ، فمنهم من خرج لقتال مسيلمة وأهل الردّة ، ومنهم من خرج لجهاد أهل الشام ، ومنهم من خرج لقتال أهل العراق ، وبقي من الصحابة بالمدينة مع أبي بكر عدّة ، وكانت القضيّة إذا نزلت بأبي بكر قضى فيها بما عنده من العلم بكتاب الله عزوجل أو سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فإن لم يكن عنده سأل من بحضرته من الصحابة عن ذلك ، فإن وجد عندهم علما من ذلك رجع إليه وإلّا اجتهد في الحكم.
فلمّا مات أبو بكر وولي أمر الامّة من بعده عمر بن الخطّاب ، فتحت الأمصار وزاد ، تفرّق الصحابة فيما افتتحوه من الأقطار ، وكانت الحكومة تنزل بالمدينة أو في غيرها من البلاد ، فإن كان عند الصحابة الحاضرين بها في ذلك أثر عن رسول الله صلىاللهعليهوآله حكم به ، وإلّا اجتهد أمير تلك المدينة في ذلك ، وقد يكون في تلك القضيّة حكم عن