وفي موضع آخر من الشرح المذكور : الاجتهاد في الاصطلاح : استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظنّ بحكم شرعيّ ، فقولنا : « استفراغ الفقيه » بذل تمام الطاقة بحيث يحسّ من نفسه العجز عن المزيد عليه. « والفقيه » قد تقدّم ، لأنّك علمت الفقه فيكون الموصوف به هو الفقيه. وقد علم بذلك ركنا الاجتهاد وهما المجتهد والمجتهد فيه ، فالمجتهد من اتّصف نفسه بالاجتهاد على التفسير المذكور ، والمجتهد فيه حكم ظنّيّ شرعيّ عليه دليل (١).
وذكر في موضع آخر : قالوا : لو لم يتنجّز الاجتهاد لزم علم المجتهد بجميع المآخذ ويلزمه العلم بجميع الأحكام ، واللازم منتف ، لأنّ مالكا مجتهد بالإجماع وقد سئل عن أربعين مسألة ، فقال في ستّ وثلاثين منها : لا أدري. الجواب انّ العلم بجميع المآخذ لا يوجب العلم بجميع الأحكام ، لجواز عدم العلم ببعض ، لتعارض الأدلّة ، أو للعجز في الحال عن المبالغة إمّا لمانع يشوّش الفكر ، أو لاستدعائه زمانا (٢).
وفي موضع آخر في مباحث بيان أحكام الاجتهاد : لا يجوز للمجتهد نقض الحكم في المسائل الاجتهاديّة ، لا حكم نفسه إذا تغيّر اجتهاده ، ولا حكم غيره إذا خالف اجتهاده اجتهاده بالاتّفاق ، لأنّه يؤدّي إلى نقض النقض من مجتهد آخر يخالفه ويتسلسل وتفوت مصلحة نصب الحاكم وهو فصل الخصومات ، هذا ما لم يكن مخالفا لقاطع ، وإذا خالف قاطعا نقضه اتّفاقا (٣) انتهى.
وفي موضع آخر في تزييف قول المصوّبة : واستدلّ بأنّ تصويب الكلّ مستلزم للمحال فيكون محالا ، بيانه في صورتين :
إحداهما : إذا كان الزوج مجتهدا شافعيّا والزوجة مجتهدة حنفيّة فقال لها : « أنت بائن » ثمّ قال : « راجعتك » والرجل يعتقد الحلّ والمرأة تعتقد الحرمة ، فيلزم من صحّة المذهبين حلّها وحرمتها.
وثانيتهما : أن ينكح مجتهد امرأة بغير وليّ لأنّه يرى صحّته ، وينكح مجتهد آخر تلك المرأة إذ يرى بطلان الأوّل ، فيلزم من صحّة المذهبين حلّها لهما وأنّه محال.
__________________
(١) شرح القاضي : ٤٦٠ ـ ٤٦١.
(٢) شرح القاضي : ٤٦١.
(٣) شرح القاضي : ٤٧٣.