الثاني : إمّا أن يفيد الظنّ أو لا يفيد ، وعلى التقديرين لا يعمل به أمّا بتقدير عدم الإفادة فمتّفق عليه ، وأمّا بتقدير إفادة الظنّ فمن وجوه ثلاثة : أحدها : قوله تعالى : ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (١) الثاني : قوله تعالى : ( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (٢) الثالث : قوله تعالى : ( وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) (٣).
الثالث : أنّه إن خصّ دليلا عامّا كان عدولا عن متيقّن إلى مظنون ، وإن نقل عن حكم الأصل كان عسرا وضررا وهو منفيّ بالدليل. ولو قيل : هو مفيد للظنّ فيعمل به تفصّيا من الضرر المظنون ، منعنا افادته الظنّ ، لقوله صلىاللهعليهوآله : « ستكثر بعدي القالة عليّ فإذا جاءكم عنّي حديث فاعرضوه على كتاب الله العزيز فإن وافقه فاعملوا به وإلّا فردّوه » (٤) وخبره صدق (٥) فلا خبر من هذا القبيل إلّا يحتمل أن يكون من القبيل المكذوب.
ولا يقال : هذا خبر واحد ، لأنّا نقول : إن كان الخبر حجّة فهذا أحد الأخبار ، وإن لم يكن حجّة فقد بطل الجميع.
ولا يقال : الإماميّة عاملة بالأخبار وعملها حجّة ، لأنّا نمنع ذلك ، فإنّ أكثرهم يردّ الخبر بأنّه خبر واحد ، وبأنّه شاذّ ، فلو لا استنادهم مع الأخبار إلى وجه يقتضي العمل بها لكان عملهم اقتراحا ، وهذا لا يظنّ بالفرقة الناجية. وأمّا أنّه مع عدم الظفر بالطاعن والمخالف لمضمونه يعمل به ، فلأنّ مع عدم الوقوف على الطاعن والمخالف له يتيقّن أنّه حقّ ، لاستحالة تمالي الأصحاب على القول بالباطل وخفاء الحقّ بينهم. وأمّا مع القرائن فلأنّها حجّة بانفرادها فتكون دالّة على صدق مضمون الحديث ويراد بالاحتجاج به التأكيد.
لا يقال : لو لم يكن خبر الواحد حجّة لما نقل ، لأنّا ننقض ذلك بنقل خبر من عرف فسقه وكفره ومن قذف بوضع الأخبار ورمي بالغلوّ ، وبالأخبار الّتي استدلّوا بها في البحوث العلميّة كالتوحيد والعدل ، والجواب في الكلّ واحد.
__________________
(١) الاسراء : ٣٦.
(٢) يونس : ٣٦.
(٣) البقرة : ١٦٩.
(٤) لم نعثر عليه بهذه العبارة ، انظر بحار الأنوار ٢ : ٢٢٥.
(٥) في المصدر : مصداق.