وأقول رابعا : أنّ في التزكية وسائر الشهادات لا بدّ من ضمّ الاستصحاب بخلاف الرواية.
وبالجملة ، النسبة بين الرواية وبين التزكية والشهادة عموم من وجه ، فإنّ الاهتمام بشأن الرواية أكثر ، لأنّ حكمها يعمّ الوقائع الكثيرة. والخبط في التزكية والشهادة أكثر ، لاحتياجها إلى ضمّ خرص واستصحاب. ولا تغفل من أنّ قصدي من ذكر هذه المقدّمات تقوية المنع بإبداء سند على وجه التجويز والاحتمال ، لا على وجه البتّ والقطع والاستدلال.
وأقول خامسا : أنّ في كثير من المباحث اعتبر في شرط الشيء ما لا يعتبر في نفسه ، مثلا : الاعتماد على رواية الراوي مشروط بعصمة المروي عنه ، لا بعصمة الراوي.
وأقول سادسا : إذا ابتني شيء على أمر ضعيف ثمّ ابتنى الضعيف على ضعيف
______________________________________________________
تأتي في المزكّي إذا كان عدلا. وكثرة الاحتياج إلى الرواية تقتضي التساهل في أحكامها للضرورة إلى العمل العامّ بها. بخلاف الشهادة فإنّ الاحتياج إليها نادر بالنسبة إلى الرواية ، ولهذا اشترط في شاهدها ما لم يشترط في الراوي زيادة عن العدالة.
وأمّا قبول قول العدل فلم يفرق فيه بين أن يكون مدركه أمرا مخصوصا حسّيا أو غير حسّي ، والمرجع إلى أنّه عالم بما شهد به بأيّ وجه كان.
وما ذكره من الاحتياج إلى الخرص والاستصحاب ـ على المعنى الثاني من تفسير الملكة ـ لا وجه له ، لأنّ الشاهد بالتزكية وغيرها لا يعوّل في شهادته إلّا على العلم الحاصل له حين الشهادة لا على ما كان حاصلا له من قبل ، لأنّ ما كان يجوز تغيّره فلا معنى لاستصحاب علمه والشهادة به مع احتمال التغيّر ، والمرجع في هذا الاحتمال وعدمه إلى ما تقتضي به العادة فيما يقبل ذلك.
وأمّا قوله : « إنّ الملكة ليست أمرا محسوسا فتكون التزكية إخبارا عن معقول صرف » غير مستقيم ، لأنّ الشهادة بالعدالة الّتي ترجع إلى حصول الملكة إنّما هي شهادة بلوازم تلك الملكة من الامور المحسوسة ، كما هو ظاهر في العلم بالصنائع لكلّ صانع إذا اطلع الإنسان على قوّته وعمله في صنعته مرّة بعد اخرى تتحقّق له تلك الملكة ، فالشهادة بها إنّما هي بواسطة الأمر المحسوس. والمصنّف يدّعي اختصاصه عن العلماء بالفهم والحذق في العلوم كلّها ، ولا يدرك مثل هذه الأشياء الظاهرة الواضحة.