والقيام بين يدي الجبّار بالذلّ والاستكانة والخضوع والاعتراف والطلب في الإقالة من سالف الذنوب ، ووضع الجبهة على الأرض كلّ يوم ليكون ذاكرا لله عزوجل غير ناس له ، ويكون خاشعا وجلا متذلّلا طالبا راغبا مع الطلب للدين والدنيا بالزيادة ، مع ما فيه من الانزجار عن الفساد جدّا ، وصار ذلك عليه في كلّ يوم وليلة لئلّا ينسى العبد مدبّره وخالقه فيبطر ويطغى ، وليكون في ذكر خالقه والقيام بين يدي ربّه زاجرا له عن المعاصي وحاجزا ومانعا عن أنواع الفساد.
فإن قال : فلم أمر بالوضوء وبدأ به؟
قيل : لأنّه يكون طاهرا إذا قام بين يدي الجبّار عند مناجاته إيّاه مطيعا له فيما أمره نقيا من الأدناس والنجاسة ، مع ما فيه من ذهاب الكسل وطرد النعاس وتذكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبّار.
فإن قال : فلم وجب ذلك على الوجه واليدين ، ومسح الرأس والرجلين؟
قيل : لأنّ العبد إذا قام بين يدي الجبّار فإنّما ينكشف من جوارحه ويظهر ما وجب فيه من الوضوء ، وذلك أنّه بوجهه يسجد ويخضع ، وبيده يسأل ويرغب ويرهب ويتبتّل ، وبرأسه يستقبل في ركوعه وسجوده ، وبرجليه يقوم ويقعد (١). والحديث الشريف طويل نقلنا منه موضع الحاجة.
حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري العطّار رضى الله عنه قال : حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري قال : قلت للفضل بن شاذان ـ لمّا نقلت منه هذه العلل ـ : أخبرني عن هذه العلل الّتي ذكرتها عن الاستنباط والاستخراج وهي من نتائج العقل أو هي ممّا سمعته ورويته؟ فقال لي : ما كنت أعلم مراد الله عزوجل بما فرض ولا مراد رسول الله صلىاللهعليهوآله بما شرع وسنّ ، ولا اعلّل من ذات نفسي بل سمعتها من مولاي أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام مرّة بعد مرّة والشيء بعد الشيء فجمعتها فقلت فاحدّث بها عنك عن الرضا عليهالسلام؟ فقال : نعم (٢).
وفي باب القرآن من كتاب التوحيد لابن بابويه : أخرج شيخنا محمّد بن الحسن
__________________
(١) علل الشرائع : ٢٥١ ، ح ٩.
(٢) علل الشرائع : ٢٧٤. هذا الحديث وما قبله لم يردا في خ.