العلم من عربيّ وعجميّ ينكرون ما استفدناه من كلام أصحاب العصمة ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ إمّا من اعوجاج الذهن ، أو جموده والبلادة ، أو من الحسد والشقاوة.
فلنتبارك ببعض النصائح المذكورة في أوائل كتاب المعتبر حيث قال :
إنّ في الناس : المستعبد نفسه لشهوته ، المستغرق وقته في أهويته ، مع إيثاره الاشتهار بآثار الأبرار ، واختياره الاتّسام بسمة الأخيار ، إمّا لأنّ ذلك في جبلّته أو لأنّه وسيلة إلى حطام عاجلته فيثمر هذان الخلقان نفاقا غريزيّا وحرصا على الرئاسة الدينية طبيعيا ، فإذا ظهرت لغيره فضيلة عليه خشي غلبة المزاحم ومنافسة المقاوم ، ثمّ يمنعه نفاقه عن المكافحة فيرسل القدح في زيّ المناصحة ، ويقول : لو قال كذا لكان أقوم ، أو لم يقل كذا لكان أسلم ، موهما أنّه أوضح كلاما أو أرجح مقاما. فإذا ظفرت بمثله فليشغلك الاستعاذة بالله من بليّته عن الاشتغال بإجابته ، فإنّه شرّ الرجال وأضرّ على الامّة من الدجّال! فكأنّي بكثير ممّن ينتحل هذا الفنّ يقف على شيء من مقاصد هذا الكتاب فيستشكله ويحيل (١) فكره فيه فلا يحصله ،
______________________________________________________
ابن بابويه فيما صرّح به أن تطمئنّ نفسه لما أثبته في كتابه ولو بالظنّ الغالب ، ولا يحتاج فيه إلى الجزم والقطع ، فإنّه أمر بعيد حصوله في كلّ ما أثبته ودوّنه.
ثمّ إنّا رأينا الأجلّاء من المشايخ المتقدّمين والمتأخّرين عن الكليني والصدوق ـ رحمهمالله جميعا ـ مثل المفيد والمرتضى ومن تقدّمهم ومن تأخّر عنهم لم يعتمدوا كلامهما في صحّة الأحاديث واكتفوا بالعدل الواحد في صحّة الحديث ، فلو يعلمون من كلامهم أنّه يفيد الإخبار بالصحّة بمعنى الجزم بها وأنّها ناشئة عن العلم لم يحتاجوا في صحّة الحديث إلى غيرها ولأغنى ذلك الشيخ وأمثاله عن التعب في تعريف الرجال ، لأنّ الأمر محصور في كتابيهما وكتابيه ، وقد علم صحّة كلّ الأحاديث بشهادتهما ، فما رأينا إلّا المخالفة في الفتوى ممّن ذكرنا لما في الكتابين ، ورأينا الشيخ رحمهالله أيضا كذلك يفتي في كلّ مسألة ويخالف نفسه فيها في وقت ، وقد أورد الأحاديث بخلاف ما تضمّنته فتواه. فلو لا ضعف الحديث وتغيّر نظره فيه ما جاز منه هذا الاختلاف ولا من غيره. والله أعلم.
__________________
(١) في المصدر : يحمل.