إخفاء بعضه ، ومن أنّه لو لا ذلك لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وللزم الاغراء بالجهل ، وذلك لما علم من المذهب ضرورة : من أنّه صلىاللهعليهوآله أودع كلّ ما جاء به عند العترة الطاهرة عليهمالسلام وأمر الناس بسؤالهم والردّ ـ أي الرجوع ـ إليهم ، وأيّ بيان أقوى من ذلك؟ *
______________________________________________________
* إنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ أنزل القرآن هدى للناس وتبيانا لكلّ شيء ، فما اختصّ به أمّة دون أمّة ولا حجب فيه علم التكليف عن الناس بعد قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) غاية الأمر أنّ فيه محكما ومتشابها ومجملا ومفصّلا وناسخا ومنسوخا ، ولا يجوز أن يخاطب الله بما لا يفهم من التكاليف العامّة المحتاج إلى علمها وبيانها ، فإذا ورد في القرآن لفظ ظاهر المعنى لا يختلف العرب في فهمه وجب حمله على ذلك المعنى وأنّه هو المراد منه ، وإلّا لزم الاغراء بالجهل وكان مخالفا لقوله : ( قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ) وقوله : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلّا بِلِسانِ قَوْمِهِ ) وقوله : ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) ونحو ذلك ، فلو لم يفهمه أهل اللسان انتفت فائدة التخصيص. وقد علمنا أنّ في القرآن أسرارا غير ظاهرة لكلّ أحد ، وليس ذلك مخلّا بالتكليف ، وامرنا عند اشتباهها بسؤال أهل الذكر عنها. ولا بدّ في الحكمة من وجود القيّم بذلك ، ففي حياة الرسول صلىاللهعليهوآله هو أصلها ويجب عليه إظهار كلّ ما تتوقّف عليه الشريعة. وبعده عليهالسلام ليس كلّ لفظ وكلّ حكم في القرآن لا يعرف معناه ولا حكمه إلّا بالنصّ عن الأئمّة عليهمالسلام ولو كان القرآن لا يمكن فهمه لكلّ أحد لم يأمر الله سبحانه بالاستماع له أمرا عامّا ، لعدم الفائدة. ولا يمكن لكلّ سامع الاستفهام عند السمع ولمّا عرف إعجازه ، لأنّ غير المفهوم لا يظهر وجه الاعجاز فيه.
وما ورد في القرآن عن الأئمّة عليهمالسلام من المعاني الغير الظاهرة عند العامّة فأمور مخصوصة محصورة قابلة للاشتباه واختلاف المعنى ، فلا يلزم من ذلك توقّف غيرها على النصّ منهم عليهمالسلام.
ولا ريب أنّ الصحابة ما كانوا يتوقّفون في فهم كلّ معنى في جميع معاني ألفاظ القرآن على سؤال الرسول صلىاللهعليهوآله ولا نقل ذلك أحد ولا حصل اختلاف بين المفسّرين في المعاني الظاهرة. ولمّا أرسل الرسول صلىاللهعليهوآله أمير المؤمنين عليهالسلام بسورة « براءة » ليقرأها على الناس ما فهم من ذلك إلّا أنّ كلّ من سمعها يفهم معناها من غير احتياج في كلّ ما قرأه عليهم إلى تفسيره وعدم فهمهم لو لا ذلك. ولو توقّف فهمهم على تفسيره ربما لم يصدّقوه فتنتفي الفائدة في تلاوتها عليهم من غير فهم المعنى ، وذلك ظاهر ؛ وكذلك الرسول صلىاللهعليهوآله لمّا كان يتلو ما انزل عليه على الناس حال نزوله. نهاية