وأمّا التمسّك بأنّ عدم ظهور مدرك شرعي لحكم عند المجتهد بعد تفتيشه مدرك شرعي لعدم الحكم في الواقع (١) إجماعا فإنّما يتّجه على مذهب العامّة.
______________________________________________________
والعجب! أنّا لم نفهم من كلامه رحمهالله أوّلا وآخرا حقيقة حال المكلّفين في زمانه وبعد زمانه حين عرّفهم خطأ السالفين عليه وبيّن لهم الحقّ الواضح الّذي عمي عنه العلماء الأجلّاء المتقدّمون عليه والمعاصرون له كيف يكون عملهم في الأحكام الشرعيّة على مذهبه واعتقاده إذا أبطلنا الاجتهاد والتقليد؟ فإنّه لم يتبيّن لنا من كلامه وجه صريح في كيفيّة ذلك إن كان كلّ أحد من العامّ والخاصّ يعمل بكلّ حديث وجده في الكتب الأربعة سواء كان له ما يخالفه ويناقضه أم لا ، فظاهر كلامه :
أنّه لا يلتزم ذلك ، بل لا يجوّزه وإن كان يرجع إلى الترجيح ولم يكن أهلا لذلك ، فإن رجع إلى تقليد غيره فيه وهو لا يفيده العلم والقطع بالحكم وصحّته في الواقع ، فقد رجع إلى التقليد والعمل بالظنّ.
هذا إذا ثبت عند المكلّف الّذي فرضناه بالقطع والجزم صحّة كلّ حديث كتب في الكتب الأربعة ، ومتى يحصل عند العامّي هذا العلم حتّى يعوّل عليه؟ ولا يبقى عليه إلّا ترجيح أحد الحديثين على الآخر فيستفيده من العارف بذلك.
وأيضا فكيف يجوّز العقل الاختلاف بين الحديثين المقطوع بأنّهما كلام الأئمّة عليهمالسلام؟ إلّا أن كان من باب التقيّة ، ومن يعرف هذه الخصوصيّة أو المناسبة لحمل الحديث المخالف عليها حتّى لا يتحقّق التنافي؟ وأيضا أين يوجد في الكتب الأربعة وغيرها من الحديث ما يدلّ على كلّ فرع يحتاج المكلّف إليه من فروع التكليف طول الأزمان؟ وقد رأينا في كلام الأصحاب في مسائل عديدة بعد تمام الاجتهاد والاستقصاء في طلب ذلك أنّهم لم يجدوا نصّا في تلك المسألة ؛ مع أنّ هذا بالوجدان ظاهر لا يحتاج إلى بيان.
وربما يظهر من كلام المصنّف أنّه يجب على كلّ مكلّف أن يعتقد ما اعتقده في جميع الأحاديث من القطع بأنّها كلّها كلام الأئمّة عليهمالسلام وإذا لم يعتقد ذلك لا يحصل له العلم بالحكم فلا يجوز له العمل بالحديث الدالّ عليه ، وهذا الاعتقاد كيف يتيسّر
لعامّة الناس؟ وهو لم يجعل المعارف الخمس من قدرة العبد ولا كلّفه الله بها والفرض أنّه قادر عليها ، فكيف يكلّف العامّي الّذي لا يعرف معنى الصحيح من الضعيف ولا يفهم معنى الاصول المعتمدة ولا غيرها أن يعلم ويعتقد كلّ ما اعتقده المصنّف وأثبته بحسب وهمه.
__________________
(١) ط : الوقائع.