ومن كلامه عليهالسلام المذكور في نهج البلاغة ـ وقد سأله سائل عن أحاديث البدع وعمّا في أيدي الناس من اختلاف الخبر ـ فقال عليهالسلام : إنّ في أيدي الناس حقّا وباطلا وصدقا وكذبا وناسخا ومنسوخا وعامّا وخاصّا ومحكما ومتشابها وحفظا ووهما ، وقد كذب على رسول الله صلىاللهعليهوآله على عهده حتّى قام خطيبا فقال : « من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار » وإنّما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس ... (١) إلى آخر ما مرّ نقله من الكافي.
وفي كتاب المجالس لابن بابويه حدّثنا محمّد بن المتوكّل قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم عن أبيه قال : حدّثنا أبي عن الريّان بن الصلت ، عن عليّ بن موسى
______________________________________________________
صحّ منها ، لأنّه إذا كان مع وجود الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد حصل ما حصل ، فما ظنّك فيما بعده من زمن الأئمّة عليهمالسلام مع تفرّق الأهواء والمذاهب وانبعاث الدعاوي على الكذب على حسب موافقة المذاهب وكثرة الاختلاف والتضادّ فيها! فكيف يحتمل القول بأنّ جميع ما يوجد الآن من الأخبار المسندة إليهم عليهمالسلام في الكتب الأربعة أو غيرها مقطوع بصحّته وثبوته ويستفاد منها العلم بجميع الأحكام الّتي يحتاج المكلّف إليها بغير طريق الاجتهاد بدلالة قطعيّة واضحة؟ والوجوه الّتي عدّدها أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ هي كانت سبب الاختلاف ، وهي كلّها واقعة لا تختصّ زمانا دون زمان ، بل ربما وقوعها في الزمن المتأخّر عن النبيّ أكثر وأقرب إلى الوقوع ، وكأنّ المصنّف رحمهالله كان غافلا لمّا أورد هذا الحديث وهو صريح بفساد مدّعاه ، وله بذلك أمثال عديدة.
ثمّ لا يخفى أنّ تشبيه أمر النبيّ صلىاللهعليهوآله بالقرآن وتمام ما ذكر في الحديث بعد وصف المحدّث الرابع يقتضي عدم حمل مدلول الحديث على ظاهره إذا خالف العقل أو الأمر المعلوم ثبوته من المذهب بالاتّفاق عليه ، كما وقع في القرآن. والمصنّف لا يتفطّن لذلك ويحمل الحديث على ظاهره. كما وقع له في باب المعارف الخمس وغيرها والحال فيها وفيما وافق بظاهره مذهب المجبّرة واحد من وجوب التأويل ، كما حصل في آيات القرآن المخالفة بظاهرها للمذهب الحقّ ؛ وقد أشرنا إلى ذلك سابقا. وهذا الحديث صريح فيما ذكرناه من أنّ ما وقع في القرآن وقع في الحديث مثله والحكمة فيهما واحدة.
__________________
(١) نهج البلاغة : ٣٢٥ ، ح ٢١٠.