بخبر الواحد : إنّه بيّن في جواب المسائل التبّانيات أنّ العلم الضروري حاصل لكلّ مخالف للإماميّة أو موافق بأنّهم لا يعملون في الشريعة بخبر لا يوجب العلم ، وأنّ ذلك قد صار شعارا لهم يعرفون به ، كما أنّ نفي القياس في الشريعة من شعارهم الّذي يعلمه منهم كلّ مخالط لهم. وتكلّم في الذريعة على التعلّق بعمل الصحابة والتابعين بأنّ الإماميّة تدفع ذلك وتقول : إنّما عمل بأخبار الآحاد من الصحابة المتأمّرون الّذين يحتشم التصريح بخلافهم والخروج عن جملتهم ، فإمساك النكير عليهم لا يدلّ على الرضا بما فعلوه ، لأنّ الشرط في دلالة الإمساك على الرضا أن لا يكون له وجه سوى الرضا من تقيّة وخوف وما أشبه ذلك.
وقد أورد السيّد على نفسه في بعض كلامه سؤالا هذا لفظه : فإن قيل : إذا سددتم طريق العمل بالأخبار فعلى أي شيء تعوّلون في الفقه كلّه؟ وأجاب بما حاصله : انّ معظم الفقه يعلم بالضرورة مذاهب أئمّتنا عليهمالسلام فيه بالأخبار المتواترة ، وما لم يتحقّق ذلك فيه ـ ولعلّه الأقلّ ـ يعوّل فيه على إجماع الإماميّة ، وذكر كلاما طويلا في بيان حكم ما يقع فيه الاختلاف بينهم. ومحصوله : أنّه إذا أمكن تحصيل القطع بأحد الأقوال من طرق ذكرها تعيّن العمل عليه وإلّا كنا مخيّرين بين الأقوال المختلفة لفقد دليل التعيين (١).
______________________________________________________
وكلام السيّد في هذا المقام يحتمل أنّ عمل القدماء بالعلم في أحكامهم إنّما كان لتيسّر اطّلاعهم على الأخبار الصحيحة المفيدة للعلم إمّا بالتواتر أو القرائن ، وأمّا بعد زمانه فلم يتيسّر ذلك والمتأخّرون لما استبعدوا هذا الاحتمال أو جوّزوه وتعذّر عليهم عدلوا إلى العمل بأخبار الآحاد المفيدة للظنّ في كلّ موضع لا يتيسّر لهم العلم بأيّ وجه كان ، وحملوا كلام السيّد في المبالغة في نفي ذلك على ما عرفه من علماء الشيعة المتقدّمين عليه. ومقتضى كلام الشيخ في العدّة وغيره : أنّهم لم يسلّموا له هذه الدعوى حيث استدلّوا على العمل بخبر الواحد بما يقتضي عمل المتقدّمين به ، مع كونه لا يفيد إلّا الظنّ ، وحملوا كلامه على المبالغة في هذا المعنى أو لم يلتفتوا إلى كلامه ، كما خالفوه في كثير من مسائل الاصول والفروع ، لأنه ليس بمعصوم.
__________________
(١) معالم الدين : ١٩٦.