على ما قدّمنا بيانه ، ولا يكاد يعلم وجود هذا الاصطلاح قبل زمن العلّامة إلّا من السيّد جمال الدين ابن طاوس رحمهالله وإذا اطلقت الصحّة في كلام من تقدّم فمرادهم منها الثبوت أو الصدق (١) انتهى كلامه قدسسره.
وأقول : من تأمّل فيما ذكره المحقّق الحلّي في أوائل كتاب المعتبر (٢) وفي كتاب الاصول في مبحث العمل بخبر الواحد (٣) وفي فهرستي الشيخ والنجاشي (٤) وفيما ذكر رئيس الطائفة في مبحث العمل بخبر الواحد من كتاب العدّة (٥) وما ذكره في آخر كتابي الأخبار (٦) وغيرها بعين الاعتبار والاختبار يقطع بأنّ أحاديث الكتب الأربعة وغيرها من الكتب المتداولة في زماننا مكتوبة من اصول قدمائنا الّتي كانت مرجعهم في عقائدهم وأعمالهم ، ويقطع بأنّ الطرق المذكورة في تلك الكتب إنّما ذكرت لمجرّد التبرّك باتّصال السند وباتّصال سلسلة المخاطبة اللسانية إلى مؤلّفي تلك الاصول ، ولدفع تعيير العامّة أصحابنا بأنّ أحاديثهم مأخوذة من اصول قدمائهم وليست بمعنعنة *. ويقطع بأنّ بعض تلك الطرق من مشايخ الإجازة المحضة ، من
______________________________________________________
* قد قدّمنا ما يدلّ على فساد هذا الوهم ، ويؤكّده أنّه لو كان الأمر كذلك لوجب على مؤلّفي الكتب الأربعة التنبيه عليه صريحا غير مرّة ، لأن الحديث في حدّ ذاته محتمل للصدق والكذب ما لم ينبّه عليه ، خصوصا بعد إخبار مؤلّفي الكتب بما حصل فيه من التضادّ والاختلاف الموهم لحصول ذلك في كلّ حديث ، ومجرّد التبرّك باتّصال السند لا يوازي جواز حصول ظنّ ضعف الحديث بذكر رجل مشهور بفساد المذهب والكذب في طريقه ، مع كونه صحيح الاتّصال بالمعصوم عليهالسلام وأيّ غرور أزيد من ذلك! وأيضا التزام مثل هذا في جميع الأخبار والتعب فيه مع كونه محتمل للضرر لا يقابل الوجه الضعيف الّذي ذكره من جهة المخالفين. والمصنّف هذه طريقته حيث إنّه بنى أصل فضيلته على هذا الاعتقاد وأنّه لم يتنبّه إليه غيره ، التزم في ترويحه (٧) وتكرّر استدلالاته إلى مثل هذه التمحّلات الواهية. ولو كان الأمر كما ذكره لم يجز للمرتضى ترك
__________________
(١) المصدر : ١٤ ـ ١٥.
(٢) المعتبر ١ : ٣٣.
(٣) معارج الاصول : ١٤١.
(٤) انظر مقدّمتيهما.
(٥) عدّة الاصول ١ : ١٢٦.
(٦) انظر التهذيب ١٠ : ٤ ( شرح المشيخة ) والاستبصار ٤ : ٣٠٤.
(٧) كذا.