وكذلك المحقّق الحلّي قدسسره تكلّم باصطلاح القدماء في العبارة الّتي تقدّم نقلها عن كتاب المعتبر ، حيث اختار في العمل بخبر الواحد ما اختاره رئيس الطائفة بعينه ، حيث قال : والتوسّط أصوب ، فما قبله الأصحاب أو دلّت القرائن على صحّته عمل به ، وما أعرض الأصحاب عنه أو شذّ يجب اطراحه (١).
______________________________________________________
الكليني ، والصحيح والضعيف كذلك ، وهو الّذي أوجب له نقل الأخبار الّتي لم يتحقّق كذبها خوفا من ضياعها ، حيث إنّها كثيرة التفرّق في الكتب ، وأحال معرفة صحيحها من غيره على تنبيه أصحاب علم الرجال ممّن تقدّم عليه. ولو كانت كلّها صحيحة مأخوذة من اصول لا شكّ في صحّتها لوجب التنبيه على ذلك ، لأنّه علم أنّ ما شكي إليه من الاختلاف ما كان سببه إلّا اختلاف الأحاديث من الصحّة والضعف ، فكان يلزم عليه ان ينبّه صريحا في أوّل كتابه : أنّي ما اعتمدت ولا دوّنت إلّا ما قطعت بصحّته ويبيّن وجه ذلك ومن أيّ أصل صحيح أخذه ؛ على أنّهم صرّحوا بأنّه لا يجوز الاختلاف في الحديث المتواتر لكونه مفيدا للعلم مقطوعا به ، ولو كانت الأحاديث في كتب الحديث المعلومة مقطوعا بها ثابتة الصحّة عن الأئمّة عليهمالسلام لما جاز فيها الاختلاف ، والأمر بخلاف ذلك.
هذا كلّه مع ما بيّنّاه سابقا من فساد دعوى المصنّف ويكفي أصحاب الكتب الأربعة أن يكون الداعي لجمعها خوفا من اندراس الحديث وضياعه ، ولم يمكنهم عند ذلك تمييز الصحيح والضعيف باليقين ، فجمعوا منها ما حسن الظنّ لهم به ولم يعلموا كذبه ومخالفته قطعا لمذهب أهل البيت ، وأحالوا في العمل به على ما يتحقّق
من حال رواته كما فعله الشيخ رحمهالله في أحكامه وفتاواه ، وغيره أيضا كذلك.
وللشيخ المحقّق المدقّق بهاء الدين العاملي ـ قدّس الله روحه ـ هنا كلام محصّله : إنّ المتقدّمين كان لهم سبيل إلى معرفة الحديث الصحيح بتكرّره في الاصول القديمة أو وجوده في أصل عرض على أحد من الأئمّة عليهمالسلام وعرفت صحّته بقرينة أو غير ذلك ممّا يفيد ثبوت الصحّة ، وكان ذلك في زمانهم متيسّرا علمه. ثمّ قال رحمهالله : وابن بابويه رحمهالله جرى في كتابه على متعارف المتقدّمين [ من ] إطلاق الصحيح على ما يركن إليه ، فحكم بصحّة جميع ما أورده ، مع أن كثيرا من تلك الأحاديث بمعزل عن الاندراج في الصحيح على مصطلح المتأخّرين ؛ والّذي بعث
__________________
(١) راجع المعتبر ١ : ٣٠.