أوائل كتابه عن السيّد المرتضى (١) *.
______________________________________________________
الحديث أن يلقي في ذهن كلّ من سمع كلامه ودعاويه أن يتقبّله باذن سميعة وعين بصيرة ويد طويلة ، بحيث لا تجوز معارضة الشكّ والريب فيه حتى تنقذ الناس من هذه الضلالة العامّة في الزمن الطويل ؛ فما وجدنا هذه الخصوصيّة تعدّت غير صاحبها ولا انتفع منها من يكون له أدنى عقل وتميز بل جلبت على صاحبها سوء الاعتقاد والنسبة إلى الجهل وضعف العقل وسوء العاقبة دنيا وآخرة. والله المستعان ، ونسأله من كرمه العفو والمسامحة.
* ممّا يدلّ على أنّ السيّد قدسسره أراد بكلامه خلاف ما أراده المصنّف أنّ الكافي ومن لا يحضره الفقيه متقدّمان على السيّد ، وما وجدنا أقواله أكثرها إلّا مخالفا لما فيهما ، ولا يعتذر عن المخالفة لما فيهما إلّا بأنّها أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا. وقال من جملة كلامه ـ قدّس الله روحه ـ في الردّ للعمل بخبر الواحد : إنّه لم يرد الشرع به (٢). ولم يجوّز تخصيصه للكتاب وقال : لو سلّمنا ورود الشرع به بالعمل لم تكن في ذلك دلالة على جواز التخصيص (٣) فعلم أنّ مراد السيّد من الأخبار الّتي عناها ما ثبتت عنده بالتواتر والقرائن لا كلّ الأخبار المسطورة في الكتب الأربعة. وقد نبّهنا على ذلك سابقا وبيّنّا أنّ المفيد رحمهالله وغيره لو كان معتقدا لصحّتها كلّها ـ كما يدّعيه المصنّف ـ لم يجز له ولا لغيره مخالفة مضمونها في مسألة من المسائل الّتي اعتمدوا فيها على الظنّ في حكمهم وفتواهم ، مع أنّ الأمر بخلاف ذلك لمن تتبّع أحكامهم في الفروع.
والمحقّق رحمهالله ادّعى الإجماع على العمل بخبر الواحد ، وذلك لأنّه قال في مبحث التخصيص به الكتاب وعدم جوازه ما معناه : إنّ دلالة الإجماع على دلالة العمل به إنّما هي فيما لا يوجد عليه دلالة ، فإذا وجدت الدلالة القرآنيّة سقط وجوب العمل به (٤). وفي ذلك دلالة واضحة أنّ المراد من الخبر الّذي لا يجوز التخصيص به للكتاب الخبر المفيد للظنّ ، لأنّ الخبر المفيد للعلم لا نزاع عندنا في جواز التخصيص به كالمتواتر وغيره ممّا يفيد القطع ، والمحقّق لا مخالفة له فيه ، هذا مع تصريحه في غير هذا الموضع بأنّ المراد من خبر الواحد ما ذكرناه. والمصنّف يريد لأجل هواه أن يلزم المرتضى والشيخ وغيرهم بمقتضى خطائه وصحّة اعتقاده ، وهم يصرحون وينادون بخلاف ذلك.
__________________
(١) منتقى الجمان ١ : ٢ ـ ٣.
(٢) الذريعة إلى اصول الشريعة ٢ : ٥٢.
(٣) الذريعة إلى اصول الشريعة ١ : ٢٨١.
(٤) معارج الأصول : ٩٦.