الذي يحتمل إرادة الكلّ وإرادة البعض ، فإن تمسّك بحسن الاستفهام والاستثناء ، لم يكن فيه دلالة على ارتفاع الاحتمال فإنّ الاستثناء قد يكفي فيه احتمال التناول فمن أين وجوب التناول.
ولو سلّمنا أنّ الاستثناء يدلّ على وجوب التناول ، لما كان دالا على وجوب التناول ، وإن تجرّد عن الاستثناء ، وهذا لأنّ الجنس يحتمل أن يراد به كلّ أنواعه والمعظم والأقل. فإن انضمّ الاستثناء دلّ على إرادة ما يجب دخول الاستثناء تحته ، وكذا إذا وصف بالجمع ، ولو وصف بالواحد دلّ على إرادة الفرد ، فيكون في كلّ واحدة من الحالتين حقيقة ، فإذا جرّده بقي دالا على الجنسية المحضة المجرّدة عن الإشعار بالقلّة أو الكثرة.
سلّمنا أنّ المراد به استغراق الجنس ، لكن لفظ الجنس إذا استغرق استوعب الأفراد التي يقوّمها الجنس ، ولا يدلّ على العوارض ، والتنجيس مستندا إلى سببه الخارج عن حقيقة الماء ، فلفظة « الماء » حينئذ تتناوله باعتبار كونه ماء لا باعتبار كونه نجسا ، والدليل المانع يتناوله باعتبار كونه نجسا ، فيكون الدليل المانع من استعماله دالّا على المنع باعتبار ذلك القيد ، والعموم الدالّ على عدم احتمال النجاسة دالّا عليه مطلقا ، فيكون الترجيح لجانب الدليل المقيّد أو تساوي الاحتمالان فتبطل دلالة الحديث.
وأما الأثر فهو غير دالّ على موضع النزاع لأنّ مضمونه منع التنجيس ، وهو جعله نجسا ، والحكم المستدام ليس تنجيسا ، لأنّ « فعّل » هذا فائدته هنا ، كقولك عمّمت زيدا أي جعلته معتمّا ، وكذا سقّفت البيت ، فلو حلف لا سقّفت بيتا إن قدم زيد ، لم يحنث لو سقّفه قبل قدومه واستبقاه بعد قدومه. وينبغي أن يكون البحث عن مدلول هذه الرواية ، فإن دلّت على رفع النجاسة السابقة جزما كانت حجّة كافية ، وإلّا وجب البقاء على أصل النجاسة ، لكنّها غير دالّة ، إذ أحسن أحوالها أن تكون محتملة لا قاطعة.