وهذا الإشكال ممّا لم تقع عليه الخواطر ولا تنبّه له الأوائل ولا الأواخر ولا كشف عن مكنونه الغطاء ، لكنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.
وفرض من يقف على فوائد هذا المولى الأعظم من علماء الأنام أن يبسطوا له يد الانقياد والاستسلام وأن يكون قصاراهم التقاط ما يصدر عنه من جواهر الكلام ، فإنّها شفاء الأنفس وجلاء الأفهام ، غير أنه ظاهر الله جلاله ولا أعدم أولياءه فضله وإفضاله سوّغ لي الدخول في هذا الباب وأذن لي أن أورد ما يخطر في (٤) الجواب ما يكون صوابا أو مقاربا للصواب ، فأقول ممتثلا لأمره مشتملا ملابس صفحة وعفوه : إنّه ينبغي أن تتقدّم ذلك مقدمة تشتمل على بحثين :
الأول لفقهائنا قولان : أحدهما أنّ الكعبة قبلة لمن كان في الحرم ومن خرج عنه ، والتوجه إليها متعيّن على التقديرات (٥) فعلى هذا لا يتياسر (٦) أصلا.
والثاني أنّها قبلة لمن كان في المسجد ، والمسجد قبلة لمن كان في الحرم ، والحرم قبلة لمن خرج عنه. وتوجّه المصلّي على قول هذا القائل من الآفاق ليس إلى الكعبة حتّى أنّ استقبال الكعبة في الصف المستقيم المتطاول متعذر عنده لأنّ عنده جهة كلّ واحد من المصلّين غير جهة الآخر ، إذ لو خرج من وجه كلّ واحد منهم خطّ مواز للخطّ الخارج من وجه الآخر لخرج بعض تلك الخطوط عن ملاقاة الكعبة فحينئذ يسقط اعتبار الكعبة بانفرادها في الاستقبال ويعود الاستقبال مختصّا باستقبال ما اتّفق من الحرم.
لا يقال : هذا باطل بقوله تعالى ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (٧)
__________________
(٤) في بعض النسخ : ما يحضر في الجواب.
(٥) في بعض النسخ : على التقديرين.
(٦) في بعض النسخ : لا تياسر.
(٧) سورة البقرة : ١٤٤ و ١٥٠.