المذعنين من عباده لامتناعه بجلاله وكبريائه ، وعلوه عن لحوق الأوهام ببقائه ، المرتفع عن كنه ظنانة المخلوقين ، من أن تحيط بمكنون غيبه رويات عقول الرائين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده في ربوبيته ، ووجوده ووحدانيته ، صمدا لا شريك له ، فردا لا ظهير له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اصطفاه وانتجبه وارتضاه ، وبعثه داعيا إلى الحق ، وسراجا منيرا ، وللعباد مما يخافون نذيرا ، ولما يأملون بشيرا ، فنصح للأمة ، وصدع بالرسالة ، وأبان لهم درجات العمالة ، شهادة عليها أموت وأحشر ، وبها في الآجلة أقرب وأحبر.
وأقول معشر الخلائق فاسمعوا ، ولكم أفئدة وأسماع فعوا : إنا أهل بيت أكرمنا الله بالاسلام ، واختارنا واصطفانا واجتبانا ، فأذهب عنا الرجس وطهرنا تطهيرا ، والرجس هو الشك ، فلا نشك في الله الحق ودينه أبدا ، وطهرنا من كل أفن (١) وغية ، مخلصين إلى آدم نعمة منه ، لم يفترق الناس قط فرقتين إلا جعلنا الله في خيرهما ، فأدت الأمور وأفضت الدهور إلى أن بعث الله محمدا صلىاللهعليهوآله للنبوة ، واختاره للرسالة ، وأنزل عليه كتابه ، ثم أمره بالدعاء إلى الله ( عزوجل ) فكان أبي عليهالسلام أول من استجاب لله ( تعالى ) ، ولرسوله صلىاللهعليهوآله وأول من آمن وصدق الله ورسوله ، وقد قال الله ( تعالى ) في كتابه المنزل على نبيه المرسل : ( أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ) (٢) فرسول الله الذي على بينة من ربه ، وأبي الذي يتلوه ، وهو شاهد منه.
وقد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله حين أمره أن يسير إلى مكة والموسم ببراءة ( سر بها يا علي ، فإني أمرت أن لا يسير بها إلا أنا أو رجل مني ، وأنت هو يا علي ) فعلي من رسول الله ، ورسول الله منه ، وقال له نبي الله صلىاللهعليهوآله حين قضى بينه وبين أخيه جعفر بن أبي طالب عليهماالسلام ومولاه زيد بن حارثة في ابنة حمزة : ( أما أنت لا علي فمني وأنا منك ، وأنت ولي كل مؤمن بعدي ).
__________________
(١) أفن الرجل : ضعف رأيه.
(٢) سورة هود ١١ : ١٧.