حدثني علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهمالسلام : أن إبليس كان يأتي الأنبياء عليهمالسلام من لدن آدم عليهالسلام إلى أن بعث الله المسيح عليهالسلام يتحدث عندهم ويسائلهم ، ولم يكن بأحد منهم أشد أنسا منه بيحيى بن زكريا ، فقال له يحيى : يا أبا مرة إن لي إليك حاجة. فقال له : أنت أعظم قدرا من أن أردك بمسألة فسلني ما شئت ، فإني غير مخالفك في أمر تريده.
فقال يحيى : يا أبا مرة ، أحب أن تعرض علي مصائدك وفخوخك التي تصطاد بها بني آدم. فقال له إبليس : حبا وكرامة؟ وواعده لغد.
فلما أصبح يحيى عليهالسلام قعد في بيته ينتظر الموعد وأجاف (١) عليه الباب إغلاقا ، فما شعر حتى ساواه من خوخة (٢) كانت في بيته ، فإذا وجهه صورة وجه القرد ، وجسده على صورة الخنزير ، وإذا عيناه مشقوقتان طولا ، وفمه مشقوق طولا ، وإذا أسنانه وفمه عظما واحدا بلا ذقن ولا لحية وله أربعة أيد : يدان في صدره ويدان في منكبه ، وإذا عراقيبه قوادمه وأصابعه خلفه ، وعليه قباء ، وقد شد وسطه بمنطقة ، فيها خيوط معلقة من بين أحمر وأخضر وأصفر وجميع الألوان ، وإذا بيده جرس عظيم ، وعلى رأسه بيضة ، وإذا في البيضة حديدة معلقة شبيهة بالكلاب.
فلما تأمله يحيى عليهالسلام قال له : ما هذه المنطقة التي في وسطك؟ فقال : هذه المجوسية أنا الذي سننتها وزينتها لهم. فقال له. فما هذه الخيوط الألوان؟ قال : هذه جميع أصباغ النساء ، لا تزال المرأة تصبغ الصبغ حتى يقع مع لونها فافتتن الناس بها فقال له : فما هذا الجرس الذي بيدك؟ قال : هذا مجمع كل لذة من طنبور وبربط (٣) ومعزفة وطبل وناي وصرناي ، وان القوم ليجلسون على شرابهم فلا يستلذونه فأحرك الجرس فيما بينهم ، فإذا سمعوه استخفهم الطرب ، فمن بين من يرقص ، ومن بين من
__________________
(١) أجاف الباب : رده.
(٢) الخوخة : كوة تؤدي الضوء إلى البيت.
(٣) البربط : العود.