الأثر ، أقبل القوم على علي عليهالسلام يقذفونه بالحجارة والحلم (١) ، ولا يشكون أنه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، حتى إذا برق الفجر وأشفقوا أن يفضحهم الصبح ، هجموا على علي (صلوات الله عليه) ، وكانت دور مكة يومئذ سوائب لا أبواب لها ، فلما بصر بهم علي عليهالسلام قد انتضوا السيوف وأقبلوا عليه بها ، وكان يقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة ، وثب له علي عليهالسلام فختله وهمز يده (٢) ، فجعل خالد يقمص قماص البكر (٣) ، ويرغو رغاء الجمل ، ويذعر ويصيح ، وهم في عرج الدار (٤) من خلفه ، وشد عليهم علي عليهالسلام بسيفه ـ يعني سيف خالد ـ فأجفلوا أمامه إجفال النعم إلى ظاهر الدار ، فتبصروه فإذا هو علي عليهالسلام ، فقالوا : إنك لعلي؟ قال : أنا علي. قالوا : فإنا لم نردك ، فما فعل صاحبك؟ قال : لا علم لي به ، وقد كان علم ـ يعني عليا عليهالسلام ـ أن الله ( تعالى ) قد أنجى نبيه صلىاللهعليهوآله بما كان أخبره من مضيه إلى الغار واختبائه فيه ، فأذكت قريش عليه العيون (٥) ، وركبت في طلبه الصعب والذلول ، وأمهل علي (صلوات الله عليه) حتى إذا أعتم (٦) من الليلة القابلة انطلق هو وهند بن أبي هالة حتى دخلا على رسول الله صلىاللهعليهوآله في الغار ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله هندا أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين ، فقال أبو بكر : قد كنت أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين نرتحلهما إلى يثرب. فقال : إني لا آخذهما ولا أحدهما إلا بالثمن. قال : فهي لك بذلك ، فأمر صلىاللهعليهوآله عليا عليهالسلام فأقبضه الثمن ، ثم أوصاه بحفظ ذمته وأداء أمانته.
وكانت قريش تدعو محمدا صلىاللهعليهوآله في الجاهلية الأمين ، وكانت
__________________
(١) الحلم : جمع حلمة ، وهي شجرة السعدان.
(٢) أي غمزها وضغطها.
(٣) القماص : الضرب بالرجل ، البكر : الفتى من الإبل.
(٤) عرج الدار : منعطفها أو مصعدها أو سلمها.
(٥) أي أرسلت عليه الطلائع.
(٦) أي دخل في العتمة.