يشربون ، ولبسوا من أفضل ما يلبسون ، وسكنوا من أفضل ما يسكنون ، وتزوجوا من أفضل ما يتزوجون ، وركبوا من أفضل ما يركبون ، أصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا ، وهم غدا جيران الله تعالى ، يتمنون عليه فيعطيهم ما يتمنون ، لا ترد لهم دعوة ، ولا ينقص لهم نصيب من اللذة ، فإلى هذا يا عباد الله يشتاق إليه من كان له عقل ويعمل له بتقوى الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يا عباد الله ، إن اتقيتم وحفظتم نبيكم في أهل بيته ، فقد عبدتموه بأفضل ما عبد ، وذكرتموه بأفضل ما ذكر ، وشكرتموه بأفضل ما شكر ، وأخذتم بأفضل الصبر والشكر ، واجتهدتم أفضل الاجتهاد ، وإن كان غيركم أطول منكم صلاة وأكثر منكم صياما فأنتم أتقى لله منه ، وأنصح لاولي الامر.
احذروا يا عباد الله الموت وسكرته ، فأعدوا له عدته ، فإنه يفجأكم بأمر عظيم ، بخير لا يكون معه شر أبدأ ، أو بشر لا يكون معه خير أبدا ، فمن أقرب إلى الجنة من عاملها ، ومن أقرب إلى النار من عاملها؟ إنه ليس أحد من الناس تفارق روحه جسده حتى يعلم إلى أي المنزلين يصير : إلى الجنة أم النار ، أعدو هو لله أم ولي؟ فإن كان وليا لله فتحت له أبواب الجنة ، وشرعت له طرقها ، ورأي ما أعد الله له فيها ، ففزع من كل شغل ، ووضع عنه كل ثقل ، وإن كان عدوا لله فتحت له أبواب النار ، وشرع له طرقها ، ونظر إلى ما أعد الله له فيها ، فاستقبل كل مكروه وترك كل سرور ، كل هذا يكون عند الموت ، وعنده يكون اليقين ، قال الله تعالى : ( اللذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون ) (١) ويقول : ( الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سؤ بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون * فأدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين ) (٢).
يا عباد الله ، إن الموت ليس منه فوت ، فاحذروه قبل وقوعه ، واعدوا له عدته ،
__________________
(١) سورة النحل ١٦ : ٣٢.
(٢) سورة النحل ٦ ١ : ٢٨ و ٢٩.