الشكل الثاني : من أشكال التأثير الإلهي في التاريخ تشخيص غاية التاريخ وهدف المسيرة الإنسانية ، فالله وعجل بما يمثّله من صفات الحقّ والعدل والكمال المطلق هو المثل الأعلى لهذه المسيرة ومنتهاها ، فصفات الله الجمالية خاصّة هي الأفق السامي لحركة المجتمع وقبلة المسيرة التاريخية ، وقد شرحنا هذا في النقطة الأولى.
الشكل الثالث : من أشكال التدخّل الإلهي ، وهو إرسال الأنبياء وبعثه الرسل ، فالخالق لم يكتف بما أودعه في البشر من عقل وفطرة ينيران لهم الدرب ويساعدانهم على التمييز بين الخير والشرّ والحقّ والباطل وما يتقدّم بالمسيرة وما يتأخّر :
( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ) [ المدثر ].
( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) [ الإنسان ].
( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) [ البلد ].
بل اقتضى اللّطف أن ينصّب حججاً يأخذون بيد الناس إلى سبيل الهداية ويكشفون لهم عن دروب الغواية والانحراف ، فأرسل الرسل مبشِّرين ومنذرين وداعين إلى سبل النجاة ومصحّحين المسيرة الإنسانية لتتحرّك في الاتجاه الصحيح :
( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [ البقرة ].
( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) [ الرعد ].
وحسب روايات أهل البيت عليهمالسلام يمثّل خطّ النبوة مائة وأربع وعشرين ألف نبي ، شكّلوا خطّاً موازياً للخلافة الإنسانية العامة ، خطّ يشرف على هذه الخلافة بما يستبطنه من إحاطة بالمعارف الإلهية وبأهداف المسيرة وشروط نجاحها ومقوّمات تصحيحها : إنّه خطّ الشهادة كما يبيّن باقر الصدر رحمهالله : ـ وضع الله سبحانه وتعالى إلى جانب خطّ الخلافة ـ خلافة الإنسان على الأرض ـ خطّ الشهادة الذي يمثّل التدخّل الربّاني من أجل صيانة الإنسان