فالاستعجال المذموم هو الخروج قبل الأوان طمعاً في النصر السريع دون توافر أسبابه ، أما مبدأ التعجيل فقوامه الدور الإيجابي الذي يؤدّيه الناس ، مستهدفين تحقيق أسباب النهضة المهدوية المباركة في أقرب وقت ، لا محاولة مرتجلة لتحقيق النصر دون شروطه ، ومما يؤيّد ما ذهبنا إليه إلحاح بعض أصحاب الأئمة واعترافهم بأنّهم يتعجّلون الأمر دون زجر من الأئمة لا لشيء إلا لأنّ هذا الشعور لم يصل إلى حدّ التورّط في حركات انفعالية يكون ضررها أكبر من نفعها؛ لأنّهم يعرفون مبدأ ـ لا الزمان زماني ، ولا الرجال رجالي ـ الذي أسّسه الأئمة لمثل هذه الظروف ، عن إبراهيم بن هلال قال : قلت لأبي الحسن عليهالسلام : ـ جعلت فداك مات أبي على هذا الأمر ، وقد بلغت من السنين ما قد ترى ، ولا تخبرني بشيء ، فقال : أنت تعجل ، فقلت : أي والله أعجل ، وما لي لا أعجل وقد كبر سنّي وبلغت أنا من السنين ما قد ترى ، فقال : أما والله يا أبا إسحاق ما يكون ذلك حتّى تميّزوا وتمحّصوا وحتّى لا يبقى منكم إلا الأقلّ ثمّ صعّر كفّه ـ (١).
بعد أن برهنّا أنّ التعجيل ممكن ولا يتنافى مع المفاهيم العقائدية الأصيلة للنظرية المهدوية ، تواجهنا مسألة أخرى متمثّلة في الفهم الخاطئ للتعجيل حيث شاعت نظرية تدّعي أنّ الأسلوب الأمثل في تسريع قيام المهدي هو ملأ الأرض فساداً وظلماً؛ لأنّ الروايات قد علّقت مسألة الظهور بامتلاء الأرض جوراً وفساداً.
من الروايات نذكر : ـ لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله لأمره منّا من يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً (٢) ـ.
ـ لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله عزّ وجلّ ذلك اليوم حتّى يخرج قائمنا فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً ـ (٣).
وعن علي بن الحسين عليهالسلام ـ لتملأنّ الأرض ظلماً وجوراً حتّى لا يقول أحد الله
__________________
١ ـ النعماني ، الغيبة ، ص ٣٠٨.
٢ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٣٣ ، ص ٢٥٧.
٣ ـ المصدر نفسه ، ج ٣٦ ، ص ٢٤٠.