منها قوله عزّ من قائل : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ ) [ آل عمران ]. وكذلك قوله تعالى : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) [ البقرة ].
يختلف الناس في درجة تسليمهم وبالتالي في درجة إيمانهم ، مع أنّ الدين الحقّ قد عبّر عنه ربّنا في كتابه الكريم بقوله : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) [ آل عمران ] ، .. فحقيقة كلّ الأديان هي كمال التسليم وتمامه ، ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [ النساء ] ،
ولكن كثرة التعرّض للشبهات وللتشكيك في الأحكام من جهة صحّة الاستنباط لاعتماده على قواعد علمية دقيقة ذات أدلّة قطعية أصولية ورجالية ولغوية وغيرها ، تخفى علميتها على الكثيرين فيعتقدون أنّ الاستنباط مرادف للرأي وتابع للذوق ، فيناقشون فيه وكأنّه مسألة شخصية ذاتية ، فلكل أحد أن يخضعها لرأيه وذوقه ، وهذا في الحقيقة شيءٌ عجيب ، لأنّ كلّ الناس يقرّون بضرورة الذهاب إلى صاحب الاختصاص فيما يرجع إلى اختصاصه إلا في المسألة الدينية ، فإنّ الكثيرين منهم يفترضون أنفسهم من الاختصاصيين ويقبلون شيئاً ويردّون آخر بحسب أمزجتهم ودوافعهم.
وإذا قلنا انّه لا عبرة بجهل الجاهلين؛ فإنّهم يقعون في جهلٍ مركّب ويظنّون بأنفسهم خيراً فيرون كلامهم محقاً ورأيهم مسدّداً ، لذا نحتاج في حوارهم إلى التذكير بضرورة التسليم بشرع الله والتعبّد بمقتضاه مع شيءٍ من الاستدلال الفطري والحوار العقلائي واللجوء إلى فقه النظرية لندلّ على موقع المسألة وعلى أهمّيّتها ، وعلى انسجام حكمها مع سائر منظومة الأحكام التشريعية المرتبطة بها فإنّ انسجام الأحكام وتناسقها دليل غير مباشر على صحّتها.
وقد عرّف بعضهم الأعلمية في الاجتهاد بأنّها : العلم بملازمات الأحكام ، وكلّما اعترف غير العالم بجهله ونما التسليم الإيماني عنده ، أمكن خضوعه لحكم المسألة الجزئية بما هي هي ،