الفصل السادس
فلسفة الانتظار
على امتداد الزمن كانت البشرية ترنو إلى قائد منقذ يخلّص الأرض والإنسان من مظاهر الظلم والجور والحيف ، ويقتلع جذورها من النفوس ، ويغيّر مجرى التاريخ وما ألمّ به من انحرافات ومآسٍ ضجّ لها المستضعفون ، حتّى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، لذلك فالأعناق تشرئبّ دوماً إلى الآفاق ، مُنشدّة اليوم الموعود ، الذي يسود فيه العدل والحقّ ، وتتبدّد فيه كلّ غيوم الظلم والاستبداد.
هذا الانشداد تترجمه اليوم حالة الترقّب الشاخصة هنا وهناك ، في الشمال المتقدّم تقنياً وتكنولوجياً ، وفي الجنوب المحكوم عليه أن يعيش التخلّف والتبعية ، ففي الغرب تجوب بعض عواصمه جماعات الخلاص يردّدون ترانيمهم التي تدعو ( المخلِّص ) أن ينقذهم من الضياع والفراغ والعبثية ، وفي أفريقيا بعض القبائل تتوجّه إلى قوى طبيعية كالبحر منادية : أيّها المنقذ خلِّصنا!
باختصار إنّ حالة الانتظار باتت ظاهرة تتعمّق يوماً بعد آخر ، وتمتدّ أكثر فأكثر في النفوس والآفاق ، تغذّيها وتجذّرها اتجاهات الواقع العالمي الراهن نحو مخاطر جسيمة تنبئ بنشوب حرب عالمية وتهديدات نووية تصادر الحياة والإنسان وإرادته الحرّة في حياة كريمة عادلة.
وبقدر ما تتعمّق الهيمنة الاستكبارية على مقدّرات الشعوب تحت شعارات شتّى : كالعولمة أو النظام العالمي الجديد .... بقدر ما يفرض الانتظار والأمل في الخلاص نفسه كقانون إنساني عام.
سلك التخطيط الإلهي للتاريخ مسلكية التدرّج في غياب الإمام الثاني عشر من خلال تهيئة النفسية الإسلامية لغيبة القائد حتّى لا تصدم الأُمّة بانسحاب إمامها انسحاباً
__________________
* راجع الفصل الثاني وتفاصيل فكرة المخلّص في الأديان والفلسفات والحضارات.