الذي جعل الإنسان خليفة في الأرض ، واصطفاه على ملائكة السماء ، وحمّله أمانة أشفقت منها السموات والأرض والجبال وأبين أن يحملنها.
فمقوّمات الحدث التاريخي إلهية المنشأ والتخطيط : فكيف يصحّ إنكار الدور الإلهي؟! كما تسعى لذلك النظريات الوضعية التي تتهم النظرية الإسلامية خاصّة والنظريات الدينية عموماً باللاهوتية ، والخرافية والأسطورية طوراً آخر.
ولكن إقرار المدرسة الإسلامية بالدور الإلهي في التاريخ هو مظهر من مظاهر واقعية هذه المدرسة ، وليس نكوصاً للوعي البشري إلى مرحلة الأسطورة كما يعبّر أوغست كونت ، وليست تكريساً لحقبة الآلهة ، الحقبة الأولى من مراحل التاريخ من منظور ( فيكو ) المؤرِّخ الإيطالي ، إنّما الإيمان بالغيب والاعتقاد بالدور الإلهي من مسلّمات الإيمان الديني وعقيدة المؤمن أنّ الله هو الخالق والمربِّي للبشر.
والحوار السماوي بين الله والملائكة كما ساقه القرآن الكريم في مواطن عديدة حول استخلاف آدم عليهالسلام ، والقرار الإلهي بتوطينه في الأرض وتحميله مسؤولية الخلافة الإلهية ، كلّ هذه الأمور حقائق كونية وليست أساطير اكتتبها المسلمون ونسجتها مخيلتهم أو خيالهم الديني؛ بل هي الدَفْعةُ الأولى لعجلة التاريخ التي انطلقت مع خلق آدم وتحميله مسؤولية الخلافة ، ولن تتوقّف هذه العجلة حتّى ترسو على شاطئ الأهداف النهائية.
فالشكل الأوّل : من أشكال التدخّل الإلهي في التاريخ يتمثّل في خلق آدم عليهالسلام وخلق الطبيعة واستخلاف الإنسان.
ولذلك فإنّ النظريات الوضعية التي تنكر فكرة الخلق ومبدأ الألوهية تضطرّ لتفسير وجود الإنسان والعالم بالصدفة العمياء أو بالتفاعلات المادّية الذاتية!
وكلّ هذه النظريات المنكرة لفكرة الخالق والإرادة الإلهية في خلق الإنسان لا تعطي تفسيراً منطقياً لبداية التاريخ ومنطلقاته وآفاقه وموقع الإنسان من الوجود.
ويشكل عليها : أي معنى للتاريخ ولفلسفته إن كان أصل وجود الناس هو مجرّد صدفة عمياء؟ فهو في نهاية المطاف وفي منظور هذه النظريات المادّية ليس سوى ذرّة تائهة في هذا الوجود العظيم لا تعرف من أين ولا إلى أين؟