والإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه نفسه يخضع لسنن التاريخ ، وليست إطالة عمره مثلاً إلا حاجة اقتضتها القوانين والضرورات التاريخية ، كما أنّ انتظاره الطويل في غيبته مما تستوجبه هذه السنن التي تستدعي استكمال العناصر المقوّمة للظهور.
الأمر الثاني في الأطروحة الإسلامية الخاصّة والذي يحتاج إلى توضيح دور الأُمّة ، وهل يلغي الاعتقاد بالقائد والإمام المخلّص مسؤوليات الأُمّة؟ كما تروّج لذلك بعض التصوّرات الخاطئة للانتظار.
فهل يتسبّب الاعتقاد بالإمام القائد المخلِّص دخول الأُمّة في سبات تاريخي طويل انتظاراً للإمام؟
والواقع أنّ الأُمّة لها رسالة ثابتة دائمة تجري مجرى الشمس والقمر ، لا تنتهي ولا تنقضي ، وهذا ما تدلّل عليه نصوص كثيرة :
( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) [ آل عمران ].
( وَكَذَ لِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ) [ البقرة ].
( إِنَّ هَ ذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [ الأنبياء ].
هذه الأُمّة لا يمكن لرسالتها أن تموت أو تتجمّد ، فهي مجتمع متحرّك دوماً نحو تطلّعاته وأهدافه. وهذه الحركة مستمرّة لا تتوقّف مهما كانت الظروف والأسباب ، فرسالة هذه الأُمّة مرتبطة بالله تعالى الذي لا يموت ، والشهيد الربّاني : النبي صلىاللهعليهوآله والإمام عليهالسلام ، وإن كان حضوره يساعد على أداء الأُمّة دورها إلا أن غيابه لا يعفي الأُمّة البتة من تكاليفها الشرعية ومسؤولياتها التاريخية.
__________________
* سنفصّل هذه التصوّرات الخاطئة في الفصل السادس : فلسفة الانتظار.